في (المزارعة) [من " الأم " 3/247] : (إذا دفع رجل إلى آخر أرضا، فزرعها، ثم اختلفا: فقال المالك: أكريتكها بكذا، وقال من بيده الأرض: بل أعرتنيها.. فالقول قول مالك الأرض) . واختلف أصحابنا في المسألتين على طريقين:
فـ[الأول] : منهم من حملهما على ظاهرهما، وقال: إذا اختلفا في الدابة فالقول قول الراكب، وإذا اختلفا في الأرض.. فالقول قول مالك الأرض، وفرق بينهما: بأن العادة قد جرت بأن الناس يعيرون دوابهم للركوب، فكان القول قول الراكب؛ لأن الظاهر معه، ولم تجر العادة أن الناس يعيرون أراضيهم للزراعة، وإنما يكرونها، فكان القول قول المالك؛ لأن؛ الظاهر معه.
و [الطريق الثاني] : منهم من نقل جواب كل واحدة منهما إلى الأخرى، وخرجهما على قولين، وبه قال عامة أصحابنا، وهو الصحيح:
أحدهما: أن القول قول المالك، وهو قول مالك، واختيار المزني؛ لأن المنافع تجري مجرى الأعيان: بدليل: أنه يصح العقد عليها، وتضمن بالغصب، وتصح الوصية بها، كالأعيان، ثم لو اختلفا في عين الدابة والأرض: فقال من هي بيده: وهبتنيها، وقال المالك: بل بعتكها.. فالقول قول المالك، فكذلك هذا مثله.
والثاني: أن القول قول الراكب، وهو قول أبي حنيفة؛ لأنهما قد اتفقا على: أن المنافع تلفت في يد الراكب وملكه، وصار المالك يدعي عليه عوض المنافع، وهو منكر، فكان القول قول المنكر كما لو كان في يده دار، وأقر غيره له بها، وادعى عليه أنه باعها منه، وأنكر من بيده الدار البيع.. فالقول قوله مع يمينه، ويخالف إذا اختلفا في هبة الدار وبيعها؛ لأن هناك اتفقا على: أن الملك لمن انتقلت منه، واختلفا في كيفية خروجه منه، فكان القول قول المالك في كيفية خروجه منه، وهاهنا المنفعة قد حكم أنها قد حدثت في ملك الراكب ويده، وادعى عليه المالك عوضا الأصل عدمه.
فإن قلنا: القول قول مالك.. نظرت:
فإن حلف.. استحق الأجرة، وأي أجرة يستحق؟ فيه وجهان: