كان تالفا، فإن كان تلفه بتفريط منه.. ثبت ذلك في ذمته للمحيل، وله مثل ذلك، فيتقاصان، وإن تلف بغير تفريط منه.. لم يلزمه ضمانه؛ لأنه وكيل تلف المال في يده بغير تفريط، وللمحتال أن يرجع بحقه على المحيل، فإذا رجع عليه.. قال الشيخ أبو حامد: حل للمحيل أن يأخذ من مال المحتال مثل ما أخذه منه فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه يقول: قد أحلته بحقه، وما أخذه مني بعد ذلك أخذه ظلما.. وإن كان المحتال لم يقبض الحق من المحال عليه.. فله أن يرجع بحقه على المحيل؛ لأنه قد أثبت بيمنه أنه وكيل للمحيل، وله أن يعزل نفسه عن الوكالة، فإذا أخذ حقه من المحيل.. فهل للمحيل أن يرجع على المحال عليه بشيء؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يرجع عليه بشيء؛ لأنه قد أقر: أنه لا شيء له في ذمته، بل ذلك للمحتال.
والثاني: له أن يرجع عليه؛ لأن المحتال إن كان صادقا.. فإن الذي في ذمة المحال عليه للمحيل، وإن كان المحتال كاذبا.. فقد استحق المحيل على المحتال ما أخذه منه ظلما، وللمحتال حق على المحال عليه يمكنه أخذه عن حقه.
فإذا قلنا: يرجع عليه.. فالذي يقتضي المذهب: أنه يرجع عليه بأقل الأمرين مما أخذه منه المحتال، أو الدين الذي على المحال عليه؛ لأنه إن أعطى المحتال أكثر من حقه.. لم يستحق الرجوع على المحال عليه بأكثر مما عنده، وإن كان أعطى المحتال أقل من حقه.. فهو يقر أن جميع ما على المحال عليه للمحتال، وإنما يرجع من ماله بالقدر الذي أخذ منه، وما زاد عليه يقر به للمحتال.
وإن قلنا: القول قول المحيل، فحلف.. برئ من دين المحتال، وكان للمحتال مطالبة المحال عليه، إما بحكم الحوالة، أو الوكالة، فإذا أخذ منه المال.. أمسكه بحقه؛ لأن المحيل يقول: هو له بحق الحوالة. والمحتال يقول: هو للمحيل، ولي عليه مثله. وهو غير قادر على حقه من جهة المحيل، فكان له أخذه.