وهكذا: إن غصب منه طعامًا بمصر، أو أسلم إليه في طعام بمصر، فلقيه بمكة.. كان الحكم فيه كالحكم في القرض، إلاَّ في أخذ القيمة، فإنَّه لا يجوز أخذ القيمة عن المسلم فيه، ويجوز أخذ القيمة عن المغصوب، إلاَّ أنَّ الغاصب إذا دفع قيمة الطعام بمكة، وكان الطعام باقيًا.. لم يملكه الغاصب، بل إذا رجع إلى مصر.. ردَّ الطعام الذي غصبه، واسترجع القيمة، فأمَّا إذا كان في ذمَّته له دراهم أو دنانير من قرض أو غصب أو سلم بمصر، فطالبه بقضائها في مكة.. وجب عليه القضاء؛ لأنه ليس لنقلها مؤنة، فلم تختلف باختلاف البلدان.
] : فإن اقترض من رجل شيئًا، وقبضه، وتصرف فيه، أو أتلفه، ثم أراد أن يعطيه عن بدل القرض عوضًا.. جاز؛ لأنه مستقر في الذمة لا يخشى انتقاصه بهلاكه، فجاز تصرفه فيه قبل القبض، كالمبيع بعد القبض، بخلاف المسلم فيه، فإنه غير مستقر؛ لأنه يخشى انتقاصه بهلاكه، وحكمه في اعتبار القبض حكم ما يأخذه عوضًا عن رأس مال السَّلم بعد الفسخ، وقد مضى بيانه.
وإن كانت العين المقترضة باقية في يد المقترض.. فإنه لا يجوز أخذ العوض عنها؛ لأنَّا إن قلنا: إنَّ المقترض قد ملكها بالقبض.. فلا يجوز أخذ العوض؛ لأن ملك المقرض قد زال عن العين، ولم يستقرَّ بدلها في ذمة المقترض؛ لأن للمقرض أن يرجع في العين. وإن قلنا: إنَّ المقترض لا يملك العين إلاَّ بالتصرف.. لم يجز للمقرض أخذ بدل العين؛ لأن ملكه عليها ضعيف بتسليط المقترض عليه. هكذا ذكره ابن الصبّاغ.
والله أعلم وبالله التوفيق