البواكير (صفحة 42)

سمعي، فأسمعه يقول: أيها الولد الخبيث! ما أنت ونقد الشيوخ وإصلاحهم، وهلا أصلحت إخوانك وأترابك من الشبّان؟ أيها الشرير، ألا تبصر أخلاقهم؟ ألا ترى تقليدهم الغربيين؟ أعَميتَ عن كل هذا ولم يبقَ محتاجاً إلى الإصلاح إلا الشيوخ؟ ويلك! ألست تزعم أنك من صالحي الشبان، وأنت لا تزيد على فرضك، وربما تهاونت به أحياناً؟ فهلا عمدت إلى نفسك فبدأت بإصلاحها؟ الويل لك الليلة من انتقامي وبطشي!

ويُعقَد لساني فلا أرد عليه حرفاً، ويقترب مني، حتى إذا لم يبقَ بيني وبينه إلا ذراع أحسّ بحركة، وأرى سحابة كبيرة تمر من فوقنا، فيلامسه ريحها فيسقط ميتاً وأغوص في الأرض عشرة أذرع.

* * *

مرَّت مدة الله أعلم بمداها، ثم صحوت، فرأيت البلاد تغيَّرَت ومَن عليها، فلم يعد هناك مقبرة ولا بساتين، بل شارع ضخم على جانبيه القصور الفخمة ذات العشرين طبقة، وأهله كلهم يلبسون القبعات واللباس الأوربي، فعرفت في الحال أنني في باريس!

اقتربت من أحد الناس فقلت له بالفرنسية التي أعرف منها شيئاً: بونجور. فصعّدَ فيّ نظره وصوّب، وتأملني باسماً متهكماً، ثم سار ولم يردّ علي شيئاً. فرجعت إلى نفسي فوجدتني غريباً في زيي، وكيف لا يكون غريباً من يلبس الطربوش ومن لم يقص شاربيه؟ فأسرعت إلى حلاق فحلقت، واشتريت قبعة، وخرجت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015