البواكير (صفحة 35)

أنا ونفسي

نشرت سنة 1929 (?)

الآن وقد هجعت المدينة وسكن الجو، وترك الإنسان حلبة هذا النضال، وأوى إلى مضجعه يستريح من عنائه، الآن وقد خَفَتَ صوت الإنسان، ارتفع صوتٌ من نفسي يُؤذنني بالوداع، ونظرت إليها وهي تَسْبح بحلّتها البيضاء في هذا الفضاء الواسع، فضاء الكواكب والنيِّرات، تستطرق منه إلى عالم أوسع: عالم اللانهاية، لتأنس ساعة بلقاء أشباهها ونظائرها، وتبتعد قليلاً عن عالم ليست منه وليس منها في شيء، فوقفت ذاهلاً شاخصاً ببصري إلى السماء ... وفي السماء قبل الفجر مُستَقَرُّ العواطف، وسرُّ الأمل، وباب الأبدية. ولبثت على هذا ساعة، لا أعلم من أمرها إلا ما يبقى في نفسي بعد أن أصحو، وما هو إلا ما يبقى في نفس الحالم بعد تبدُّدِ حلمه.

أصحو وأعود إلى هذا العالَم، لا حباً به، بل لأن الإنسان أفاق فَسَدَّ بشروره بابَ التأمل أمام نفسي، فعادت أدراجها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015