ولكن صديقنا هذا واحدٌ من هذه الأمة، يشعر بشعورها ويَالَم لألمها ويهتم بأمرها، ويحاول أن يقوم بقسطه من خدمتها. ثم إن صديقنا فلان أديب، أو هم يقولون إنه أديب وإنه كاتب. والأديب لا يستطيع أن يطمئن إلى هذه الحياة الخاملة الرَّخِيّة، وللأديب آمال في نفسه وفي أمته لا يقدر أن يضحّي بها ويشهد مَصْرعها. والأديب يعيش من نفسه في عالَم، فيأنس بخيالاته وأفكاره، وينعم بمجده الأدبي ويثق بخلوده، كما يثق بنسيان التاريخ هؤلاء الذين غلطت فيهم الأيام فجعلتهم موظفين كباراً، وألقت في أيديهم مقاليد الحكم وجعلت لهم السيادة والأمر، فهو يراهم في عينه صغاراً أقزاماً، لأنه نزع عن ناظرَيه العدسة المكبِّرة التي كان يراهم بها جبابرة عمالقة كما كان يراهم سائر الناس، وغدا يحس أن من الغضاضة عليه وعلى أدبه أن يضع عاطفته ومواهبه وأدبه في رضا هؤلاء الموظفين الكبار، وغدا يحسّ أنه خائن لهذه الأمة كافر بنعمتها إذا هو وَأَدَ قلمه وأمسك عليه لسانه، وعطّل هذه الهبة البيانية التي وهبها الله له أو استعملها في هذا الأدب اللاهي العابث وترك أمته وشأنها، لا يأبه لها ولا يحفل بها.
فهو بين واجبين اثنين: واجب الوطن وواجب الأسرة، واجب الشرف وواجب الخبز!
فهل يقول كل ما يعتقد، ويطلق قلمه ولسانه فيفي حق أدبه وحق وطنه وحق دينه، ولو أضاع وظيفته وعرّضَ أسرته لما تتعرض له أسرة كبيرة ليس لها مورد قرش؟ وكيف يعيش إذن هو وأسرته؟ أم يحافظ على راتبه ويتمسك بوظيفته، ويداري ويساير