أيامه الخاليات، أيام كان له الحول والطول، ويُعجب كيف ذهب ابنه «نصف المجيدي» إلى باريس فعاد منها ببزّة غير بزته وطابع غير طابعه، فلم يلبث أن غلبه على مكانه وادّعى أنه وارثه في أرضه.
وانبرى هذا الشيخ، لذلك الصبي يلومه ويقرّعه، فسكن القرش وهدأ، فقال له: ويل لك أيها الولد الخبيث! أتهزأ بهذه العجوز المسكينة وأنت تعلم أنها تعدل خمسة آلاف من مثلك؟ أم غَرَّك منها حِلْمُها وكرمها؟ أم أنت أحمق مغرور كشاب قرأ كتاباً في الأدب وكتب مقالتين في جريدة، فلم يعد يقنعه إلا أن يكون أول أديب في البلد، فإذا رأى الناس يعظّمون شيوخ الأدب ويُجِلّونهم، ولا يحفلون به هو ولا يأبهون له، جُنّ جنونه وطار صوابه، فأقبل على هؤلاء الشيوخ يسبّهم وينتقصهم ويُسَمِّع بهم، ولو هو عقل لقرأ مثل ما قرؤوا وعمل مثل ما عملوا، ثم طمع أن يُعظَّم كما عُظِّموا.
وكان في الحاضرين «فرنك» قدم من أوربة حديثاً، وهو شاب متأنّق لا يفتأ كلما تكلم ينظر في ثيابه ويهزّ عطفيه ويمرّ المشطَ في شعره، فتنحنح على الطريقة الحديثة وقال: لا تسمعوا ما يقول، إنه رجعي، أؤكد لكم أنه رجعي.