حرّيةَ النشر ولم نتعلم فن النقد الأدبي، بل إن لدينا كثيراً من الناس إذا هم عجزوا عن الجدال بالمنطق والحجة لا يعجزون عن الجدال بالسباب والعداوة، وإذا هم أرادوا الرد بالقلم لا باللسان والكف -وقلّما يريدون ذلك- فلا يردّون على الرأي الذي ساءهم، وإنما يتخذون ردهم وسيلة إلى نشر ترجمة مَن نقدهم ترجمة مشوَّهة مكذوبة، وإلى تحليله تحليلاً نفسياً أحمق يخلقونه فيه كما يريدون لا كما خلقه الله! وكل هذا بعيد عن هذه الخصومة الموضوعية التي ندعو إليها ... ونخجل أن ندعو إليها لأن المفروض في الطبقة المثقفة من الناس أن تفهمها من نفسها وتنكر غيرها من ضروب الخصومة.
وإذا كنت أنقد أنا مثلاً رجال «الحزب الفلاني» فليس معنى هذا أن بيني وبينهم عداوات أو تِرات، وليس معنى هذا أنني أقصّر في احترام العالم منهم لعلمه والمخلص لإخلاصه ... ولكن معناه أنني أعتقد أنهم أساؤوا بمجموعهم إساءة قد يكون مصدرَها تعمّدُ الإساءة، أو قد يكون مصدرَها الغفلةُ وحسن الظن، وقد يكون مصدرَها اجتهادٌ أخطؤوا فيه، فأنا أنقد هذا الاجتهاد وأحاربه وأكشف عن سيئاته، بل أنا أزدريه لأنني أراه باطلاً، وأزدري كل باطل، وهذا لا ينافي احترامي لأشخاصهم وإجلالي بعضاً منها.
* * *
هذا مثال من الخصومة الموضوعية، وأساسها أن تفرق بين الرأي وصاحبه، وأن تقتصر في دفاعك عن رأيك ومحاربتك لرأي خصمك على الحجّة التي تزيّف هذا الرأي من غير أن تتصل بصاحبه، وأن تحترم الرأي المصيب وإن كان صاحبه أسخف