البواكير (صفحة 211)

«التجهيز» ممن يشاغب؟

قلت: بلى يا سادة، ولكنّ هذا هو «القياس مع الفارق» الذي ذُكِر في كتب المنطق التي لم تقرؤوها قط! كنا نشاغب من أجل قضية مدرسية، وأنتم تشاغبون (واسمحوا لي أن أستعمل هذه الكلمة) من أجل قضية سياسية. ونحن لم نتجاوز حدود اللباقة والأدب في مشاغبتنا، وأنتم تفخرون بهذا التجاوز! وكان حولنا طلاب هادئون عقلاء، وحولكم طلاب قد فاضت رؤوسهم بحب الثورة والتهور. وكنا نسترشد بعقولنا، وأنتم تسترشدون بهوى غيركم! وهذا هو الفارق «البسيط» بيننا وبينكم.

وأعجب من هذا أنني كتبت مقالة أدعو فيها إلى التعقل والانصراف إلى العلم، فسبقني «إلحاحٌ» على الجرائد كلها أن لا تنشرها، رغم أنها معقولة وصحيحة ورغم أن من عادة الجرائد أن تنشر لي ... وكان لهم ما أرادوا!

أرأيتَ بلداً تضيع فيه الحقائق وتغلب فيه الأغراض الخاصة والحزبية على المصلحة العامة إلا هذا البلد؟! أرأيت بلداً إلا هذا البلد تغلق مدارسه من أجل هتاف لفلان أو لنجاح فلان في البرلمان؟! أرأيت بلداً إلا هذا البلد يقود طلابَه كلَّهم طائفةٌ من الغلمان، ومن ورائهم طائفة من الشبّان، لا هم يعقلون ولا يسمعون كلام من يعقل؟!

لقد قلنا لهم خمسين مرة: إن الوطنية وخدمة الأمة ليست في ترك الدروس والصياح في الطرقات، بل هي عند الطالب في اجتهاده على درسه وإقباله على علمه، وعند الأستاذ في إعداد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015