وهل للبلاد وأهلها حديثٌ اليومَ إلا حديث الانتخابات؟ وأي انتخابات هذه؟ إنما نسميها على المجاز، وما فيها إلا موظفون يعيَّنون ليجلسوا على هذه المقاعد في هذا القصر الشامخ الذي يسمونه «البرلمان»، ولينطقوا بما يريده هؤلاء الذين عيّنوهم.
أما الأمة، الأمة التي بَرِئَت منهم وأشهدت على براءتها الملأ كله، فإنها تعود اليوم فتُشهد الله والتاريخ أنْ ما هؤلاء بنوّابها ولا اختارتهم وكلاءَ عنها، وليس في العالم قوة تضطرها إلى الاعتراف بهم اضطراراً. ومَن يستطيع أن يحملني أنا على أن أعترف بعدوي وكيلاً عني وأسلمه أمري ليقودني حيث يشاء إذا لم أرضَ به وكيلاً ولا نائباً؟ وهل يستمد النائب قوّته إلا من الشعب؟ وهل فوق إرادة الشعب إرادة (حاشا إرادة الله)؟
يستطيع القوي أن يُلزم الضعيف ما لا يريده ويحمله على الشِّرعة التي يعزف عنها، ويضطر الضعيف إلى الإذعان والامتثال، كل ذلك تستطيعه القوة، ولكنها لا تستطيع أن تجعل الباطل حقاً ولو دافعت عنه بقِراب الأرض مدافع ورشاشات.
فلا يَغُرَّنّ هؤلاء أن أصبحوا نُوّاباً، فكم سجّلَ التاريخ في صحائفه من مجالسَ نُوّابُها من أمثالهم، وكم فرحوا بها وتاهوا، ولكن القدر كان يسخر منهم، ثم أهوى عليها بيده فإذا هو قد حَطَمَ المجلس والنوّاب! إن قوة النائب من قوة الشعب، فإذا خسر هذه القوة لم يكن إلا شخصاً ضعيفاً لا حول له ولا طول.
* * *
كانت دمشق أمس كأنها موسكو حين دخلها نابليون،