سقت لك هذه القصة لتعلم مبلغ انقياد الرأي العام إلى الخطأ وتتصور الأثر الذي ستحدثه رسالتي هذه. لا أعني الأثر الذي تتركه في نفس قارئها، ولا أخافه، بل أعني ما يكون في نفس من لم يقرأها! وستسمع غداً قائلاً يقول لرفيقه: أعلمت؟ الطنطاوي أخرج رسالة يسبّ فيها معلّمي «التجهيز» ووزارة المعارف!
ويزيد هذا القائل في نبأ ذلك السبّ الموهوم ويضخّمه، ثم يحمله إلى شخص آخر، وهكذا دواليك، فيستفحل الأمر ويعظم وأكون مؤاخَذاً في نظر الناس بجريرة لم آتِ بها! وأنا أطلب سلفاً إلى كل من يبلغه أمر هذه الرسالة أو غيرها مما أكتبه (أو يكتبه غيري في هذا الموضوع أو في غيره) أن لا يتعجل في الحكم حتى يقرأ ما يتحدث عنه بنفسه ويمعن فيه، أما أن يتلقى حكمه من أفواه الناس فليس هذا من العقل في شيء.
وعجيب أن أضطر إلى هذا التنبيه، وأعجب منه أن أضطر إلى الكتابة في موضوع كهذا، موضوع طلب حق صريح ودفع ظلم واضح! وأعجب من ذا وذا أن يُسَدّ في وجه الطلاب كل سبيل إلى حقهم، ويوصَد دونهم كل باب للمراجعة، وتُصَمّ عن سماع شَكاتهم كل أذن!
وأعجب ما في الأمر (وكل ما في الأمر عجيب) أن يقضى على مستقبل ثلاثمئة طالب وتنهار آمال ثلاثمئة أسرة، ويبقى ذوو الكراسي في كراسيهم يلهون ويلعبون، وذوو الأعمال في أعمالهم يغدون ويروحون لا يبالون، كأن شيئاً لم يكن وكارثة لم تقع!