ولنا ما رويناه
ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولنا: ما رويناه) ش: من الأحاديث المذكورة عن قريب. فإن قيل يطلق لفظ الجار على الشريك كما في قول الأعشى:
أيا جارتي فإنك طالق ... كذلك أمور الناس عاد وطارق
والمراد زوجته وهي شريكته في الفراش، ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما الشفعة فيما لم يقسم» نص على النفي عن غيره؛ لأن كلمة إنما للحصر، ولأن تعليلكم الاستحقاق بالجوار بسبب دفع ضرر الجوار منقوض بالجار المقابل وبالجار الملاصق بطريق الإجارة.
قلنا: حمل اسم الجار على الشريك ترك الحقيقة فلا دليل، وذا لا يجوز. ولأن آخر الحديث يأبى حمله على الشريك فإنه قال في آخره إن كان طريقهما واحدا. وفي حمله على الشريك يلغو هذا لأن بالشركة يستحق الشفعة سواء كان الطريق واحدا أو لا.
وقال الإمام الحلواني: تركوا العمل بمثل هذا الحديث مع شهرته وصحته والعجب منهم أنهم سموا أنفسهم أصحاب الحديث فألزموا أنفسهم بترك العمل بالحديث بأصحاب الحديث.
وقد روى ابن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عرض بيتا له على جاره فدل أن جميع البيت له، وسعد تأوله بالشريك ويبطل أيضا تأويله بالشريك ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، «عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرضي ليس لأحد فيها قسم ولا شريك إلا الجوار، قال: " الجار أحق بسقبه ما كان» ، وسمى الزوجة جارا لأنها تجاوره في الفراش؛ لأنها لا تشاركه. وما روي يدل على ثبوت الشفعة في الشركة وتخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه.
وأما رواية إنما الشفعة فليست بثبت، ولئن سلمنا ثبتها يقتضي نفي الشفعة الثابتة بسبب الشركة عملا بما روينا، أو يقتضي تأكيد المذكور بطريق الكمال كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7] وكما يقال إنما العالم في البلد زيد، أي الكامل فيه والمشهور به زيد، والشريك في البقعة كامل في سبب استحقاق الشفعة دون نفي غيره، بدليل سياق الحديث، فإنه قال في آخره: «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» .
وعند الشافعي لا شفعة هناك أيضا، فكان آخر الحديث حجة لنا أيضا مع أنه قيل إن هذا من كلام الراوي لا من الحديث، فلو صح أنه من الحديث فمعنى قوله لا شفعة بوقوع الحدود وصرف الطرق، فكان الموضع موضع إشكال؛ لأن في القسمة بمعنى المبادلة.