ولأن هذه كبيرة يتعدى ضررها إلى العباد وليس فيها حد مقدر فيعزر، وله أن شريحا كان يشهره ولا يضرب، ولأن الانزجار يحصل بالتشهير فيكتفى به، والضرب وإن كان مبالغة في الزجر، ولكنه يقع مانعا عن الرجوع، فوجب التحقيق نظرا إلى هذا الوجه
ـــــــــــــــــــــــــــــQالأسود ثم قال: لا يقال الاستدلال به غير مستقيم على مذهبهما لأنهما لا يقولان بجواز التسخيم لأنه مثلة وهو غير مشروع، ولا تبليغ التعزير إلى أربعين لأن مقصودهما إثبات ما نفاه أبو حنيفة من التعزير بالضرب، فإنه يدل على أصل الضرب مشروع في التعزير، وما زاد على ذلك كان محمولا على السياسة.
م: (ولأن هذه) ش: أي شهادة الزور م: (كبيرة) ش: وعدت في الحديث الصحيح من الكبائر م: (يتعدى ضررها) ش: أي ضرر شهادة الزور م: (إلى العباد) ش: بإتلاف أموالهم م: (وليس فيها حد مقدر) ش: من حيث الشرع م: (فيعزر) ش: بالتعزير المذكور.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن شريحا) ش: وهو شريح بن الحارث الكندي القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كان يشهره) ش: شاهد الزور م: (ولا يضرب، ولأن الانزجار يحصل بالتشهير فيكتفى به، والضرب وإن كان مبالغة في الزجر، ولكنه يقع مانعا عن الرجوع) ش: فإنه إذا تصور الضرب يخاف، فلا يرجع، وفيه تضييع للحقوق م: (فوجب التحقيق نظرا إلى هذا الوجه) ش: فإن قلت: قال في " المبسوط ": شاهد الزور عندنا هو المقر على نفسه بذلك؛ لأنه لا يتمكن تهمة الكذب إلا في إقراره على نفسه ولا طريق لإثبات ذلك بالبينة عليه؛ لأنه نفى الشهادة والبينة للإثبات دون النفي.
وقال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ": شاهد الزور هو الذي يقر على نفسه بالكذب متعمدا، أو يشهد بقتل رجل ثم يجيء المشهود بقتله حيا حتى يثبت كذبه بيقين، فأما لو قال: غلطت أو أخطأت أو أردت شهادة بتهمة أو المخالفة بين الدعوى والشهادة لا يعزر أصلا.
وقال أبو محمد الكاتب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه المسألة على ثلاثة أوجه: إما أن يرجع على سبيل التوبة والندامة لا يعزر بلا خلاف، وإن رجع على سبيل الإقرار يعزر بالضرب بلا خلاف، وإن كان لا يعلم فعلى الاختلاف.
ثم قال: لو تاب شاهد الزور هل تقبل شهادته بعد ذلك. فعلى الوجهين: إن كان فاسقا تقبل توبته؛ لأن الذي حمله على شهادة الزور فسقه، فإذا تاب وظهرت توبته فقد زال فسقه فيقبل، ولم يعين في الكتاب مدة ظهور توبته، فقال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: سنة، وقيل: ستة أشهر، والصحيح أنه مفوض إلى رأي القاضي.
أما لو كان مستورا لا تقبل شهادته أبدا، وكذا إذا كان عدلا فشهد بالزور ثم تاب لا تقبل