فإن أنفق الملتقط عليها بغير إذن الحاكم فهو متبرع لقصور ولايته عن ذمة المالك. وإن أنفق بأمره كان ذلك دينا على صاحبه؛ لأن للقاضي ولاية في مال الغائب نظرا له، وقد يكون النظر في الإنفاق على ما نبين، إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــQسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اللقطة فقال: " عرفها سنة " إلى أن قال: فضالة الغنم؟ قال: " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " قال فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى احمرت وجنتاه واحمر وجهه. ثم قال: " مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وترعى الشجر، فذرها حتى يلقاها ربها» .
قلت: هو محمول على ما إذا لم يخف عليها، أما إذا خيف عليها فأخذها للصيانة أولى، ويدل عليه ما رواه الطحاوي عند عبد الله بن عمرو بن العاص «أن رجلاً من مدينة أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأل كيف ترى في ضالة الغنم قال: " طعام مأكول لك أو لأخيك أو للذئب أحسن على أخيك ضالته " قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف ترى في ضالة الإبل؟ قال: " مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ولا تخاف عليها الذئب تأكل الكلأ وترد الماء فدعا حتى يجيء طالبها....» انتهى.
قوله: سقاؤها بكسر السين وأراد بها إذا وردت الماء تشرب ما يكون بها من ظمأ والحذاء بكسر الحاء المهملة بالذال المعجمة وبالألف ممدودة وأراد بها خفافها التي تقوى بها على السير.
فإن قلت: ينبغي أن لا يجوز أخذ اللقطة أصلاً بدليل ما روي في شرح الآثار عن أبي عبادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ضالة المسلم حرق النار» ..
قلت: معناه إذا أخذها للركوب لا للتعريف، والحرق بفتحتين اسم الإحراق. وعن ثعلب الحرق: اللهب يعني إن تملكها سبب العقاب في النار. وكذا الجواب عن الحديث الآخر، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يؤوي الضالة إلا الضال» يعني إذا أخذها لنفسه وإن أبرأها إذا كان لنفسه لا للتعريف
م: (فإن أنفق الملتقط عليها) ش: أي على اللقطة م: (بغير إذن الحاكم فهو متبرع لقصور ولايته عن ذمة المالك) ش: فصار لو قضى دين غيره بغير أمره وبغير أمر القاضي م: (وإن أنفق بأمره) ش: أي بأمر القاضي م: (كان ذلك) ش: أي إنفاقه م: (ديناً على صاحبه) ش: أي صاحب اللقطة، وإنما ذكر الضمير باعتبار المال م: (لأن للقاضي ولاية في مال الغائب نظراً له) ش: أي لأجل النظر للغائب؛ لأنه نصب لمصالح المسلمين فتعم ولايته.
م: (وقد يكون النظر في الإنفاق) ش: أي وقد يكون نظر الحاكم في الأمر بالإنفاق على اللقطة، فكل ما رآه القاضي أحوط وأصلح كان له ذلك م: (على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: أي بعد خمسة خطوط عند قوله.