لأنها ليست أحقَّ بذلك من الأخرى، لكن غايةُ مَالَك في ذلك أن تتخيَّر احداهما.، فتقوِّيها على أختها، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبلُ لها وأشدُّ أَنسْاً بها، فأما ردّ اِحداهما بالاخرى فلا، ألا ترى الى قوله (صللم): " نزل القرآن بسبع لغاتٍ كلُّها شافٍ كافٍ " (?)، هذا إذا كانت اللغتان في القياس سواء، أو متقاربتين، فإن قلّت إِحداهما جدَّاً، وكثرت الأخرى جدا أخذتَ بأوسعهما رواية وأقواهما قياساً، ومع ذلك لو استعمله إنسان لم يكن مُخْطِئاً لكلام العرب فان الناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ لكنه مخطئ لأجود اللغتين فإن احتاج لذلك في شعر أو سجع فإنه غير ملوم (36/ ... ) ولا منكر عليه ... انتهى
قال ابو حيان (?): كلّ ما كان لغة لقبيلة قِيسَ عليه (?).
اذا اجتمع في الكلام الفصيح لغتان فصاعداً كقوله:
وأشْرَبُ الماء ما بي نَحْوهُ عطشٌ ... إلاّ لأن عُيونَهْ سال واديها (?)
فقال: نحوه بالإشباع، وعيونه بالإسكان، جاز للحاجة إليه في أوزان أشعار العرب وسَعة تصّرف أقوالها، وهذا إذا كانت اللفظتان في كلامه متساويتين في الاستعمال كثرتهما واحدةٌ، ويجوز أن تكون [لغته] (?) في الأصل إحداهما ثم إنه استفاد الأخرى من قبيلةٍ أخرى، وطال بها عهدُه، وكثر استعماله لها، فلحقت - لطول المدّة واتساع الاستعمال - بلغته الأولى؛ وإذا كانت إحدى اللفظتين أكثر في كلامه من الأخرى، فالكثيرة هي الأولى الأصلية.
قال الفراء وغيرُه من أهل العربية: فَعِل يفعُل لا يجيء في الكلام إلاّ في هذين الحرفين: مِتّ تَمُوت في المعتل، ودمِتَ تَدُوم، وفي السالم فَضِل يَفْضُل، أخذوا من لغة من قال يفضَل، وأخذوا يموت من لغة من قال يفضُل، ولا ينكر أن يؤخذ بعض اللغات من بعض (?).