أهل عمان وأهل البصرة وسيراف وبغداد من أذى السمائم من الهواء الكدر الغليظ والماء السخن الزعاق وكثرة الذباب والجعلان والخنافس والحيات والعقارب والجرّارات والنمل والبعوض والبق والجرجس وغير ذلك مما يطول ذكره، علمت أن العيش عيشنا والنعمة نعمتنا.
وملوك الجبل لا يعدون العيش عيشا والنعمة نعمة إلّا في أيام الشتاء. لأنهم يفرشون من الفراش أسراه ويلبسون من الثياب أحسنها وأدفأها. ويلبسون الثعالب البيض والسود والحمر والفنك والسمور والقاقم والحواصل والوشق والدلق والفراء اليمانية. ويفرشون الخز الرقم والأرمني المحفور والميساني والقطوع والديباج والمرعز والسوسنجرد.
ولهم المضارب والأبنية والستارات والسرادقات والقباب التركية وأثواب عدن وثياب نيسابور ومرو وأصفهان، والنعمة عندنا في الشتاء أظهر والخير أكثر.
ولولا الشتاء وثلجه وبرده وريحه ومطره 2/60 لما نبت لنا في الصيف زرع ولا ذرّ ضرع ولا أخضر شجر ولا اجتني ثمر. ولذلك قال الشاعر:
لولا الشتاء ولولا قبح منظره ... لما بدا من ربيع منظر حسن
وفي الشتاء يستلذ الملوك شرب المدام لطول الليل وقلة الهوام. والشراب صديق النفس وحياة الأبدان والسبب إلى الزيادة في الأعمار وصحة الأجسام، وباعث الحرارة الغريزية ومرطّب الأعضاء اليابسة وطارد الهم والفكر، والزائد في ارتفاع الهمة. وله اتخذت القصور [120 أ] المشيدة والمجالس المنجدة والنمارق الممهدة، هذا في الشتاء.
فإذا جاء الربيع، فلنا الأفياء الحسنة والرياض الخضرة والجنان المتصلة والمياه المطّردة والأرواح الطيبة والمواضع النزهة.
ثم لنا من الأنوار والزهر في الرياض والغدران ما لا يكون في بلادكم ولا يعرف عندكم. حتى لقد جهد ملوككم وكتّابكم وذوو النعمة منكم أن يغرسوه في بساتينهم وجناتهم، فلم يستو ذاك لهم ولا أفلح عندهم. من ذلك: الزعفران