والمشي شهرين بالميزان قد زهقت ... نفوسهم فرقا من خشية الزلق

فكلّ غاد بها أو رائح عجل ... يمشي على أهلها غضبان ذا حنق

قوم غذاؤهم الألبان مذ خلقوا ... فما لهم غيرها من مطعم أرنق

لا يعبق الطيب في أصداغ نسوتهم ... ولا جلودهم تبتّل من عرق

فهم غلاظ جفاة في طباعهم ... إلّا تعلّة منسوب إلى الحمق

أفنيت عمري بها حولين من قدر ... لم أقو منها على دفع ولم أطلق

فلما بلغ عبد القاهر هذا المكان، التفت إليه ابن أبي سرح فقال: لقد أكثرت في المقال وأسرفت في الذم وأطلت القلت وطوّلت الخطبة. ولولا ما أجزت إليه من سوء المقال وكثرة الهذيان لكنا عن مجاوبتك بمعزل وعن محاورتك في شغل.

فمهما كان فينا- يا أبا علي أكرمك الله- وفي هوائنا وأرضنا وبلدنا وصقعنا.

فليس فينا جفاء النبط وعجر فيه أهل [119 أ] السواد، وأخلاق الخوز، وغدر أهل الكوفة، ودقة نظر أهل البصرة، وبخل أهل الأهواز، وسوء معاشرة أهل بغداد وشدة حيلهم، وجفاء أهل الجزيرة، وغباوة أهل الشام.

وأهل الجبل قد سلموا من شدة حرّ البصرة، ومن كثرة ذباب بغداد، ومن بقّ البطائح، وبراغيث الكوفة، وتغير هواء مصر، ومن جرارات الأهواز وسمائمها، 2/58 ومن عقارب نصيبين، وثعابين مصر، ومن أفاعي سجستان.

وهل الخصب والخير والنعمة والدعة والأكل والشرب إلّا في الشتاء الذي تغيب فيه الهوام وتنحجر الحشرات ويموت الذباب ويهلك البعوض ويبرد الماء ويصفو الجوّ ويطيب فيه العناق، ويظهر فيه الفرش والكسوة والنعمة والملوكية والسرو «1» والخرمية.

وإذا ميزت الأقاليم صقعا صقعا وبلدا بلدا وكورة كورة وطسوجا طسوجا، علمت أنه لا يخلو بلد من البلدان ولا إقليم من الأقاليم في شرق الأرض وغربها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015