اعتبار ما نحوت. فظنّ ان شئت مكذّبا للعيان وطاعنا على فصول البرهان. إن الأمر الذي ذكرناه، وقمنا بحقه وفصّلناه. هو بخلاف ما أصّلناه. فاعقد الآن من جمل ذلك على أنصافها وأثلاثها وأرباعها وأسداسها. أفحسبت أنك اعتقدت من ستين ألف حمّام على عشرة ألف حمام ليعقد من ستمائة ألف جدي على مائة ألف جدي. ومن كذا على كذا ان الباقي بعد ذلك لا تراه عجبا عجيبا وشأنا غريبا.
فكيف والأمر في الأصول كما نقول بكل برهان وبكل دليل.
وسنذهب في نوع آخر من الكلام، فإنك والحق لتشهدان. وإنك لترى في ظاهر العيان، وعلى حكم الأيام والزمان. إن وكيلا من وكلاء الوظائف لو اعترض جميع ما في باب الطاق وسوق باب الكرخ وسائر الأسواق في غذائه من الغدوات معترضا بعشرين ألف درهم لابتياع جميع ما فيها، لما ترك بها مذبوحا بريّا ولا حيوانا بحريا، كما لا يدع فيها تفاحا ولا ريحانا ولا أترجا ولا رمانا. وإذا شئت مع ذلك من القول أن تعلم الحق عليك وتتناول الصدق إليك فألطف الاشراف [66 أ] على المطابخ للملك الأعظم وعلى ما استودعت من ذلك مجالسه ومواضع مواقده، فإنك تعاينها مشحونة بما لا تصل إلى معاينة مثله إلّا في الأسواق، ولا كصغير ما هنالك بباب الكرخ والطاق. فإن أنت أمددت الحق حقا وأضفت إلى الصدق صدقا وجمعت بين ما تراه في المساكن الملك الأعظم ببغداد وبين ما في منازل البطانة وسائر الأهل والولد والحشم وولاة العهود الوزراء وكبار الأمراء وسائر الوجوه والرؤساء وكبار التجار والأغنياء دون المقتصدين والفقراء، وصلت من معاينة ما ترى ان مادبة (؟) إنما هي من باب الكرخ والطاق وسائر الشوارع والأسواق في اليوم الواحد ما لا سبيل إلى معاينة مثله في باب الطاق ولا في شارع وزقاق. وأرى أن الظلم جميعا مجموع في ذلك، يدفعك من ذلك ما لا يندفع وفي منعك منه ما لا تمتنع.
وسأريك بعين عقلك مثالا عجيبا. أنت تعبد الله بتكذيبه لولا امتحانه وأسرع مما هو أعجب مما تعجبت منه وستدين الله بالجحود به لولا برهانه وبيانه. فإنّا متى دعوناك إلى الإقرار بجملة تتباعد عن الإدراك والعقول وتنسب في الظاهر إلى