الدرجات وأعظم الطبقات من الملوك والرؤساء وسائر الوجوه والأغنياء خلو من جدي واحد في ذلك اليوم الواحد الذي قلنا إنه الأعياد الشريفة والأيام السعيدة، ظنا قريبا وحكما مصيبا. فيكون إذا قدر ما يباع في أسواق بغداد من الجداء في الفطر وفي النحر ستمائة ألف جدي.
أفظننت أيها البحّاث المتذكر والنظّار المتفكر، أن الله لا يلطف لإيجاد ما شاء من خلقه على أجنحة الملائكة المقربين وعلى رؤوس الجن والشياطين. بل لا نظن أن وكيلا من وكلاء الوظائف وأمينا من أمناء المطابخ رجع منصرفا من أخسّ الأسواق وما لا يناسب منها باب الكرخ وباب الطاق في وقت واحد من الزمان وساعة، واحدة من النهار، فاستحلّ أن يقول لعدم الجداء بالربيع ببغداد، واننى طلبت جديا رضيعا فتعذر عليّ، والتمست مخاليف الدرّاج في غير أوانها وصغار الفراريج في دون أبانها والقبج والشفانين والصلاصل والوراشين والسمان والكراكي والطيهوج والقماري والعصافير والدباسي والغربان والعقبان أو الثعالب والذئاب والضباب والدباب أو الفيل والسمور والأرنب والخنزير، وما لا يحصى عدده ولا يحصل مدده من أنواع ما في البر والخراب وما في البحر من السلاحف والسرطانات والسقنقور والسور ما هي والصير والمارماهي والجري والزامور وكلب الماء والجرجور.
وقد تعرضنا من ذلك لما لا سبيل إلى إحصائه ولا حيلة لنا في [65 أ] عدّة واستيفائه.
ومتى تظن أو ظننت أن عليلا مات أو يموت بمدينة السلام بفقدان دواء معروف، أو بحسرة غذاء لطيف وكثيف، فقد ظننت محالا وأدرت في خلدك باطلا.
وكذلك أيضا لا يستطيع أحد أن يقول إن عليلا أو صحيحا تاق إلى الأرطاب في الثاني من الكوانين أو إلى الكمأة في الأول من التشارين، وإلى الخلال في أيلول، وإلى البسر في القرّ والطلع في الحر، وإلى النرجس في حزيران والقثاء والخيار في آذار، فتعذر وجود ذلك عليه.