رداع «1» الجحفة. وليس بها ثعابين كثعابين مصر. ولا أفاعي سجستان. ولا عقارب نصيبين. ولا جرّارات الأهواز، ولا قتّالات شهرزور.
وأهلها ظرفاء فضلاء فيهم الجمال ولباسهم الكمال، فهم كما قال الشاعر:
ما مثل بغداد في الدنيا ولا الدين ... على تقلّبها في كلّ ما حين
ما بين قطربل فالكرخ نرجسة ... تندى ومنبت خيريّ ونسرين
تحيا النفوس بريّاها إذا نفحت ... وحرّشت بين أوراق الرياحين
سقيا لتلك القصور الشاهقات وما ... تخفي من البقر الإنسية العين
تستنّ دجلة فيما بينها فترى ... دهم السفين تغالى كالبراذين
مناظر ذات أبواب مفتّحة ... أنيقة بزخاريف وتزيين
فيها القصور التي تهوي بأجنحة ... بالزائرين إلى القوم المزورين
من كلّ حرّاقة يعلو فقارتها ... قصر من الساج عال ذي أساطين.
وقدم عبد الله بن صالح بن علي بغداد فرأى كثرة الناس بها فقال: ما مررت بطريق من طرق هذه المدينة إلّا ظننت أن الناس قد نودي فيهم «2» .
وقال المنصور لبعضهم: أخبرني عن بغداد. قال: جنة بين حماة وكنّة تحسدانها، ودجلة والزاب يتباريان عليها.
وكتب الحسن بن أبي الرعد إلى أبي عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب وهو مقيم بضياعه في سنجار، يشوقه إلى بغداد:
يا من أقام على قرى سنجار ... واختارها دارا بأكرم دار
خلّفت بغداد التي لنسيمها ... أرج من النوّار والأشجار
هي جنّة الدنيا فكيف تركتها ... وقررت أرضا غير ذات قرار