أربعة فراسخ له خليج يجري فيه الماء إلى أجمة قصب. فأعجب ذلك عمر فدعا عتبة بن غزوان فبعثه في أربعين رجلا فيهم نافع بن الحارث بن كلدة. وأبو بكرة وزياد. فلما خرجوا قالت لهم أختهم: احملوني معكم. فحملوها. قال: فلما بصر بنا الديادبة «1» خرجوا هرّابا وجئنا فنزلنا القصر. فقال عتبة: ارتادوا لنا شيئا نأكله.
قال: فدخلنا الأجمة فإذا زنبيلان في أحدهما تمر وفي الآخر أرز بقشره. فجبذناهما حتى أدنيناهما من القصر وأخرجنا ما فيهما. فقال عتبة هذا سمّ أعدّه لكم العدو- يعني الأرز- فلا تقربنه. فأخرجنا التمر وجعلنا نأكل منه. فإنّا لكذلك إذا نحن بفرس قد قطع. قيادة فأتى ذلك الأرز يأكل منه. فلقد رأيتنا نسعى إليه بشفارنا نريد ذبحه قبل أن يموت. فقال صاحبه أمسكوا عنه. احرسه الليلة فإن أحسست بموته ذبحته. فلما أصبحنا إذا الفرس يروث لا بأس عليه. فقالت أختي: يا أخي. إني سمعت أبي يقول إن السمّ لا يضر إذا نضج. فأخذت من الأرز تطبخه وجعلت توقد تحته ثم نادت: ألا إنّه يتفصّى عن حبيبة حمراء. ثم قالت: قد جعلت تكون بيضاء. فما زالت تطبخه حتى أنماط قشره فألقيناه في الجفنة. فقال عتبة: اذكروا اسم الله عليه وكلوه. فأكلوا منه فإذا هو طيب. قال [5 ب] : فجعلنا بعد نميط عنه قشره ونطبخه. فلقد رأيتني بعد ذلك وما أجد منه شيئا إلّا وأنا أعدّ لولدي منه.
ثم إنّا التأمنا فبلغنا ستمائة رجل وست نسوة إحداهن أختي. فقلنا ألا نسير إلى الأبلة فإنها مدينة حصينة، فسرنا إليها ومعنا العنز «2» وعليها الخرق وسيوفنا.
وجعلنا للنساء رايات على قصب وأمرناهنّ أن يثرن التراب وراءنا حين يرون أنّا قد دنونا من المدينة. فلما دنونا منها صففنا أصحابنا. قال: وفيها ديادبتهم وقد أعدوا السفن في دجلة. فخرجوا علينا في الحديد مسومين لا ترى منهم إلّا الحذق.
قال: فو الله، ما خرج آخرهم حتى [رجع] «3» بعضهم على بعض قتلا. وما قتلوا هم