الأجناس والضروب والأنواع، ولو أن رجلا خرج من بيته مسافرا في عنفوان شبيبته، وحداثة سنّه، واستقرى البلدان صقعا فصقعا، يتتّبع الكروم مصرا فمصرا.
حتى يهرم، وصغيرا حتى يبدن لتعرّف أجناسه وإحاطة العلم بأنواعه، بل إقليما واحدا من الأقاليم، وناحية من أقطار الأرض، لأعوزه وغلبه وعزّه وبهره، إذ كان كثرة فنونه واختلاف أنواعه لا يدرك كالسرنابا «1» ، والخمريّ بطسّوج قطربّل، والملاحيّ ببغداذ، والصّقلبيّ والأحمر بسرّمن رأى، والزّراويّ بالكوفة، والحلاوي والبيروزيّ والجرشيّ بالبصرة وأنهارها، والسّمّاقيّ بالأهواز، وعيون البقر بالشام، والمورّقيّ بالبليخ ونهر سعيد، والمختّم بالريّ، والفارسيّ والزّرجون والأسفيذمشك، والسياوشك والناشقينيّ والبازجنك، والخرجج بقزوين، والوفرباي والماني، والماسبذيّ بناحية الجبل، وأهل الطبّ مجمعون على أن العنب أكثر غذاء، وأنقى كيموسا من جميع الفواكه والثمار، وأن الإكثار منه غير ضارّ كضرر التين والخوخ وسائر الفواكه الرطبة، وأنه حارّ رطب على طبع الحياة، قليل الفضول مولّد للدم الصحيح النقيّ، وأنه ملاوم بجميع الطبائع، نافع لجميع الأسنان في كلّ البلدان، والأبيض أقلّ حرارة من الأسود، ولخمريّ قطربّل خاصّيّة في الرائحة عجيبة.
وقال الثقفيّ: أطيب الطعام عنب قطيف أصابه الخريف بوادي ثقيف. وقال خالد بن صفوان: من فاته الرازقيّ في إدباره فحقّ لأهله أن يبكوا عليه.
وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : كلوا الزبيب فإنه يأكل البلغم، ويطفئ المرّة ويذهب بالنصب، ويشدّ العصب، ويحسن الخلق.
وقالوا: أنفع الأشربة شراب الكرم فإنها أفضل الأشربة، كما أن ثمرتها رأس الثمار، وشجرتها رئيس الأشجار، وإنها دواء لا داء فيه، وخير لا شرّ معه، وأن من أصحّ الدلائل على ذلك وأوضح البرهانات له وصف ربّ العالمين لها باللّذّة،