أقطار الأرض، ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم، ويختلط الرياح الطيّبة بهوائها، ويثبت حكمة أهلها، ويصرف عنها سورة السموم والحرّ، ويطوى عنها قسوة البرد والزمهرير، ويظعن عنها الشرور حتى لا يصيبها خبل من الشيطان، وإن جلب إليها الملوك والأمم بجنودهم وحاصروها لم يدخل عليها ضرر. فبناها وسمّاها الإسكندريّة، ثم رحل عنها فيقال: إنه مات ببابل وحمل إلى الإسكندريّة فدفن بها ويقال: إنها عملت في ثلاثمائة سنة، وخمّرت نورتها ثلاث سنين، وضربت ثلاثمائة سنة. ولقد غبر أهلها سبعين سنة ما يمشون بالنهار فيها إلّا بخرق سود، فرق أن تذهب أبصارهم من بياض جدرها، وما أسرج فيها أحد سراجا بليل من ضوئها، ومنارة الإسكندريّة على سرطان من زجاج في البحر «1» .
والجوف بمصر وباليمامة وهما جوفان، مثل الطوخ بالعراق، وحلوان بمصر على فرسخ من الفسطاط، وبه نخل كثير والكريون على ثلاثة فراسخ منها.
فأما منارة الإسكندريّة فلها عمودان من نحاس على صورتين أحدهما من زجاج والآخر من نحاس، أما النحاس فعلى صورة عقرب، والزجاج على صورة سرطان، والمنظرة إلى جنبهما ويقال لها المنارة.
وعين الشّمس على ثلاثة فراسخ من الفسطاط ومنف مساكن فرعون بينها وبين عين الشمس ثلاثة فراسخ.
وقد اختلفوا في الإسكندر فزعم بعضهم أنه ذو القرنين، وقال آخرون: ليس هو ذو القرنين ابن فيلفوس، ولكنه لكثرة جولانه في الأرض وطيّه الأقاليم شبّهه من لا علم له بذي القرنين، وبينه وبين ذي القرنين المعمّر صاحب سدّ يأجوج ومأجوج وباني مدينة مرو ومنارة الإسكندريّة المركّزة على سرطان من زجاج، وباني مدينة البهت بالمغرب وتعرف بالبها، وهي مبنيّة من حجر يسمّى حجر البهت، من تطلّع فيها تاه واستغرب ضحكا حتى يتلف نفسه دهر طويل، وذو القرنين المعمّر هو الذي وقف على صاحب الصور حين دخل الظلمات، وبلغ