{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى * وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى * وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى} [الآيات: 6 - 8] .
هذه الجمل الثلاث تضمَّنَتْ أفكاراً ثلاثة مفصَّلة، فهي لفٌّ مُفَصَّل، وجاء بعدها نَشْرٌ غَيْر مُرَتَّب على وفق ما جاء في هذا اللّف:
فجملة: {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ} [الآية: 9] ملائمة للجملة الأولى ومتعلّقة بها.
وجُمْلَةُ: {وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ} [الآية: 10] ملائمة للجملة الثالثة ومتعلّقة بها.
وجُمْلَةُ: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الآية: 11] ملائمة للجملة الثانية ومتعلّقة بها، لأن معنى: {وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى} ووجَدَكَ جَاهِلاً فعَلَّمَكَ مَسَائل الدّين، وهي النّعمة الكبرى التي أنعم الله بها عليه وعلى الناس، وأتمَّها يوم أنزل على رسوله قوله في سورة (المائدة/ 5 مصحف/ 112 نزول) :
{ ... اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ... } [الآية: 3] .
فالتحديث بِنِعْمَةِ اللَّهِ هو تَبْليغُ هذا الدّين وهدايةُ الناس إليه وتَعُلِيمُهم إيّاه.
والحكمةُ في الترتيب الّذِي جاء في اللّف موافَقَةُ التَّرْتِيبِ الذي حَصَل في حياة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فالإِيواءُ من الّيُتْمِ كان أوّلاً، والهدايةُ جَاءَتْ ثانياً قَبْلَ النبوّة وبعدها، والغِنَى جَاء ثالِثاً.
والحكمةُ في الترتيب الذي جاء في النشر على خلاف الترتيب الذي جاء في اللّفّ: أنَّه جاءَ بتكاليف يَحْسُنُ فيها قَرْنُ النظائر بعضها مع بعض، فالنَّهْيُ عن قهر اليتيم يلائمه النهي عن نَهْرِ السائل، وبَعْدَ ذَلِك يَحْسُن الختْمُ بالأمْرِ بتبليغ الدّين والتحديثِ بما أنعم اللَّهُ به على رسوله من عِلْمٍ وهُدى.
المثال الثاني: قول "ابن حيُّوس":
كَيْفَ أَسْلُو وأنْتِ حِقْفٌ وَغُصْنٌ ... وغَزَالٌ لَحْظاً وَقَدّاً وَرِدْفاً