وشى به كانت في نفسه أمراً حسناً، وعلَّلَ ذلِكَ بأنَّها دَفعَتْهُ إلى أن يَحْذَرَ الواشِيَ. وهذا الحَذَر جَعَلَه يتّقِي مَكْرَهُ وكَيْده، فَحَمَى بِذلِكَ إنسانَ عَيْنِه مِن الغَرَقِ في الدَّمْع، الذي تُسبِّبُه غَفْلَتُه وعَدَمُ حَذَرِه من مَكْرِهِ وَكَيْدِهِ لو أنَّه لم يطَّلع على وِشاياته، ويَعْرِفْ عداوته له.
المثال الخامس: قول الشاعر مادحاً (وهو مُتَرْجَمٌ عن الفارسيّة) :
لَوْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةُ الْجَوْزَاءِ خِدْمَتَهُ ... لَمَا رَأَيْتَ عَلَيْها عِقْدَ مُنْتَطِقِ
ادّعاءٌ زُخْرُفيٌّ لا أصل له، وهو غير ممكن في الواقع، لكنّه ظريفٌ مُسْتَمْلَح، فالشاعر يدّعي أنّ الجوزاء قد نوَتْ خِدْمَتَه فانتطَقَتُ بنطاق الخِدْمَة.
الانتطاق: شدُّ الوسَطِ بالمِنْطَقَة. المِنْطَقَةُ والمِنْطَقُ: ما يُشَدُّ به الوسط.
الجوزاء: "بُرْجٌ من بروج السّماء" يوجد حولها كواكب تُشْبهُ المنطقة، شَبَّهها الشاعر بالْعِقْدِ المنظوم من الّلؤلؤ.
المثال السادس: قول "ابْنِ نُبَاتَة" في صفة فرس أدهم مُحَجَّل القوائم ذي غُرَة:
وأَدْهَمَ يَسْتَمِدُّ اللَّيْلُ مِنْهُ ... وتَطْلُعُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ الثُّرَيَّا
سَرَى خَلْفَ الصَّباحِ يَطِيرُ مَشْياً ... ويَطْوِي خَلْفَهُ الأَفْلاَكَ طَيّاً
فَلَمَّا خَافَ وَشْكَ الفَوْتِ مِنْهُ ... تَشَبَّثَ بِالْقَوَائِمِ والْمُحَيَّا
علّل ابن نباته بياض قوائم الفرس وبياض مُحَيَّاهُ (= وجهه) بأَنَّ الصّباح خافَ أن يفوتَه الفرس بسبب سُرعة جريه فتشبَّثَ بقوائمه ووجهه، فظهر بياض الصباح عليها، أي: يدخل في وقت الصباح بعبور سريع ويخرج منه دون أن يُرَى بياض الصباح عليه.
كلُّ هذا التعليل تعليلٌ زخرفيٌّ لا نصيب له من الحقيقة، وهو مبنيٌّ على تخيُّلٍ أسَاسُه تشبيهُ بياضِ قوائِم الفرس وبياضِ وجْهِه ببياض الصَّباح.