وليس الغرض من دراسة هذه الفنون والعلوم والمذاهب والنصوص، الجمودَ في قوالِبِ ما اسْتُخْرجَ من العناصر الجمالية، وما وُضع من قواعد، دون اكتساب الإِحساس المرهف بمواطن الجمال، لتقديم الأفكار، وصياغة الكلام صياغةً أدبيّة بليغة.

فَمَع ضرورة التَّسلُّح بهذه الدراسة، والاطلاع الواسع على النصوص الأدبيّة الجميلة الراقية، ودراستها دراسةً تَحْلِيلِيَّةً تكشفُ من جوانب الجمال والإِبداع فيها على مقدار اسْتِطَاعَةِ الْمُحَلّل، لا يصِحُّ بحالٍ من الأحوال الجمود عندها دون محاولات الابتكار والإِبداع والتجديد، بشرط أَنْ يكون ذلك الابتكار قادراً على انتزاع إعجاب ذوي الإحساس المرهف، والذَّوْق الرَّفيع في إدراك الكلام الأدبيِّ الجميل البليغ.

هذه الحقيقة لا بُدَّ من ملاحظتها دواماً لدى أيّةِ دراسَةٍ بلاغيّةٍ وأدبيّة، ولدى إنشاء أي نصٍّ أدبيّ جديد.

ومن الخير دواماً لكّل كاتب أو مُنْشِىءٍ أو شاعرٍ أن يحْذَرَ منْ أنْ يضَعَ الصورة الأدبيَّةَ الّتِي دَرَسَها بلاغيّاً أو أدبيّاً، وينشِىءَ كلامَهُ على قَالَبِها، فإذا فَعل ذلِكَ أَفْسَدَ كلامه، وشوّه روح القاعدة البلاغيّة أو الأدبيّة، وإن التزم بصورتها.

إنّ تربية الذوق والملكة البيانيّة، مع تلقائيّة الأداء التعبيريّ لدى إنشاء الكلام كتابةً أو ارتجالاً، عند منْ يَمْلك الاستعداد لأن يكون أديباً بليغاً، هي الكفيلة بتفجير الإِبداع المطلوب في الأدب، بشرط عدم الخروج عن ضوابط قواعد اللّغة وأصول البيان.

ومن جيّد ما قرأت في التعريف بخير الكلام، قول "خالد بن صَفْوان" وهو من فصحاء العرب المشهورين، كان يجالس عُمَر بن عبد العزيز، وهشام بن عبد الملك، توفي نحو (133 هجرية) :

طور بواسطة نورين ميديا © 2015