هذه العمليّة التجوُّزِيّة حركَةٌ فكريَّةٌ في الإِسناد والوصف، وليست تجوّزاً لُغَوِيّاً في استعمال الكلمة للدّلالة بها على غير معناها الأصليّ في الاصطلاح الذي يجري به التخاطُب.
ولهذا كان جديراً بأنْ يُسَمَّى "مجازاً عقليّاً" أو "مجازاً فكريّاً" أو مجازاً في الإِسناد" أو "مجازاً حُكْمِيَّاً" أي: في الحكم، ونحو هذه العبارات، وقد اشتهر عند البيانيّين أنه مجاز عقليّ.
(2) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول) بشأن المنافقين:
{أولائك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} [الآية: 16] .
نُلاَحِظُ في هذِهِ الآيَةِ أنَّ رُكْنَي الإِسْنَادِ حصَل فيهما مجازٌ لغويّ.
فالرّبح المنفيُّ اسْتُعِيرَ للدّلالة به على عدم حُصُول الفائدة من عَمَل المنافقين، وهذا مجاز لغوي.
والتجارة استعيرت للدلالة بها على أخذهم الضلالة وتَرْكِهم الهُدَى، كما يفعل التجّار في المبادلات عند البيع والشراء، وهذا مجازٌ لغويٌّ أيضاً.
لكِنَّ الشاهد من إيراد الآية هنا ليس فيهما، إنّما الشاهد في الإِسناد الذي حصَلَ في الجملة، فبَدَلَ أنْ يُسْنَد نفْيُ الرِّبْحِ إلى المنافقين أُسْنِدَ إلى تجارتهم، أي: إلى أخذهم الضلالة وتركَهم الهُدى.
والعلاقة التي صحّحت هذا الإِسناد هي كون هذا العمل عَمَل المنافقين أنْفُسِهم، إذْ قَصَدُوا مِنْه تحقيق الفائدة لهم، فلم يكن عمَلُهم سبباً لربحهم، بل كان سبباً لخسارتهم.