كنَّتْ الخنساء عن طول قامة أخيها بطول نجاد سيفه. النِّجاد: حمائل السيف، إذ من المعلوم باللّزوم الذهني أنّ الرجل ذا القامة القصيرة لا يتَّخذ حمائل طويلة لسيفه، إنّما يتّخذ الحمائل الطويلة من كان من الناس طويل القامة.
وكنَّتْ عن كون أخيها ذا منزلةٍ رفيعةٍ في قومه بقولها:
"رفيع العماد" أي: بيته بين بيوت العرب ذو أعمدة عالية، إذْ يلزم ذهناً من ارتفاع أعمدة سُكَّان الخيام في البادية أن تكون هذه الأعمدة لبيوت عظيمة كبيرة، وجرت العادة أن تكون هذه الخيام العظيمة لذوي المكانة الرفيعة في أقوامهم، أمّا سائر سُكَّان البادية فتتشابَهُ خيامهم في ارتفاعها وأحجامها وأطوال أعمدتها.
وكنّتْ عن كون أخيها جواداً مِضْيافاً بقولها: "كثير الرَّماد" وقد سبق شرح دلالة هذه الكناية.
المثال الثالث: قول الشاعر يصف شجاعة قومه وبأسهم:
الضَّارِ بِينَ بكُلِّ أبْيَضَ مِخْذَمٍ ... والطَّاعِنِينَ مَجَامِعَ الأَضْغَانِ
بكُلّ أَبْيَضَ مِخْذَمٍ: أي: بكل سيفٍ أبيض قاطع.
كنَّى الشاعر في هذا البيت عن القلوب بعبارة: "مَجَامع الأضغان". الأضغان: الأحقاد، لقد ترك الشاعر التصريح بلفظ القلوب، وكنَّى عنها بذكر بعض صفاتها وهي كون الأحقاد تجتمع فيها، فإذا وُجدت الأضغان كانت مجتمعة في داخلها وملازمةً لها.
وأفادت هذه الكناية أنهم يطعنون قلوب أعدائهم الذين تجتمع في قلوبهم أضغان عليهم.
ويدخلُ في الكناية إطلاق الصفة مراداً بها الموصوف، وعلى هذا فعبارة: "أَبْيَضَ مِخْذَمٍ" عبارةٌ كَنَّى بها عن السيف.