فقال: مَنْ ينقضي كلامُه قبل انقضاء القافية، فإذا احتاج إلَيْهَا أفادَ بها مَعْنىً.
قيل: نحوُ مَنْ؟
قال: ذو الرّمّة حيث يقول:
قِفِ الْعِيسَ في أَطْلاَلِ مَيَّةَ فَاسْأَلِ ... رُسُوماً كَأَخْلاَقِ الرِّدَاءِ الْمُسَلْسَلِ
فَتَمَّ كلامُهُ بالرّداء، ثم قالَ: "الْمُسَلْسَل" فزاد به شيئاً، ثم قالَ:
أظُنُّ الّذِي يُجْدِي عَلَيْكَ سُؤَالُهَا ... دُمُوعاً كتَبْذِيرِ الْجُمَانِ الْمُفَصَّلِ
فَتَمَّ كلامُهُ بالجمان، ثم قال: "المفصّل" فزاد شيئاً.
قيل: ونَحْوُ مَنْ؟
قال: الأعشى إذْ يقول:
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيَفْلِقَهَا ... فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الْوَعِلُ
فَتَمَّ كَلاَمُهُ بِيَضِرْها، فلمّا احتاج إلى القافية قال: وأوهَى قرنَه الْوَعِلُ، فزاد معنىً.
قال السائل: وكيف صار الْوَعِلُ مفضَّلاً على كلِّ ما ينْطَح؟
قال: لأنّه ينحطُّ من قُلّةِ الجبل على قَرْنَيْه فلا يضرُّه.
* ومن الإِيغال قول الخنساء في رثاء أخيها "صَخْر".
وَإِنّ صَخْراً لتأتَمُّ الْهُدَاةُ به ... كَأنَّهُ عَلَمٌ في رأْسِهِ نارُ
لقد تمّ المقصود بقولها: "كأنّه علم" ولمّا احتاجت إلى القافية أضافة خاتمة مفيدة ذات حُسْن فقالت: "في رأْسِهِ نارُ" فبالغت في بيان أنّه رجلٌ تَأْتَمُّ بِهِ الْهُداة.
* ومنه قول امرئ القيس:
كأَنَّ عُيُونَ الْوَحْشِ حَوْلَ خِبَائِنَا ... وأَرْحُلِنَا الْجَزْعُ الّذِي لَمْ يُثَقَّبِ