وهكذا في سائر أغراض الكلام.
ولكلّ غرض من أغراض الكلام أساليبُ تُنَاسبه، فما يصلح في مجال الحماسة لا يصلح في مجال الإقناع، وما يحلو في الخطابة لا يحسن في مقام التعزية، وما يحسن في الجدل لا يحسن في مقام الاعتذار، وما يلائم بثّ الوَجْد، قد لا يلائم اسْتِجْدَاءَ الرَّفْد، وما يُنَاسِبُ المدح قد لا يناسب الهجاء.
وذوق الأديب البليغ يُحِسُّ بوجوه الملاءمة أوعدمها بين أساليب الكلام وبين الأهداف منه، فيتحَرَّى أفضل الأساليب مُلاَءَمَةً للهدف الذي يقصده من كلامه.
ولا غَرْوَ أنَّ بعض الأساليب الملائمة للهدف أكثر ملاءمة وأعظم تأثيراً من بعض.
ثمّ لكل صنف من أصناف المخاطبين، ولكلّ حالٍ من أحوالهم الفكريّة والنفسيّة والاجتماعية أساليبُ ملائمة، وأساليبُ غير ملائمة، وعلى المتكلِّم البليغ أنْ ينظر في صنف من يريد توجيه كلامه له، وأنْ ينظر في حالته الفكرية والنّفسيّة والاجتماعية، ويُحسن اختيار الأسلوب الكلامي الذي يُلائمه ويؤثّر فيه فرداً كان أو جماعة.
فمن أصناف النّاس: عامّة وخاصّة، وجاهلون وعلماء، وأغبياء وأذكياء ودَهْمَاء وأمراء، وبُدَاة جفاةٌ ومتحضِّرون، وأهلُ حِلْم وعقل، وأهلُ خِفّة وطَيْش، ومنهم من يُمْلَكُ من طريق عاطفته، ومنهم من يُمْلك من طريق عقله.
وهكذا تختلف أصناف النّاس اختلافاً كثيراً، ولكل صنف منهم أساليب من القول تلائمه، وتكون أكثر تأثيراً في من أساليب أخرى.
ونظير اختلاف النّاس اختلاف أحوالهم الفكرية والنّفسيّة والاجتماعية، فما يلائم الإِنسان وهو هادىء الفكر قد لا يلائمه وهو مشوّش الفكر مضطربه، وما يلائمه وهو في حالة الرضا قد لا يلائمه وهو في حالة الغضب، وما يلائمه وهو