إنَّ الْجُمَل الْمَعْطُوفة على سَوَابقها في هذا النّصّ لَيْسَ فيها كمال اتصالٍ وَلاّ شِبْهُه، ولا كمال انقطاع وَلاَ شِبْهُه، مع وجود جامع يُحَسِّنُ العطف بالواو، إنّ التسبيحَ مغايرٌ للحمد، لأنّ معنى "سبحان الله" أُنَزِّه الله عمّا لا يليق به من صفات، ومعنى: "الحمد لله" أُثْبِت لله كلّ صفات الكمال التي تقتضي الثناء عليه بها، ومع هذا التغاير فإنّ بينهما تلاؤماً فكريّاً لأنّهما متكاملتان حول صفات الله عزّ وجلّ، والجملتان هما أيضاً خبريّتان لفظاً ومعنى، فَحَسُنَ عطف التالية منهما بالواو على السابقة.
وكذلك نقول في الجمل الواردة في الآية (19) إذ عُطِفَتْ الثلاثة الأخيرة منها على الأولى: {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} لوجود التغاير بينها مع التلاؤم الفكري.
إنَّ إخراج الميت من الحيّ مغايرٌ لإِخراج الحيِّ من الميت وملائم له، إذْ هما مظهران من مظاهر قدرة الرّبّ الخالق جلَّ وعلا، وكذلك إحياء الأرض بعد موتها، وكذلك البعث يوم الدّين.
فاقتضى التوسط بين الكمالين مع التلاؤم وكونها جملاً خبرية لفظاً ومعنى عَطْفَها بالواو العاطفة.
(3) وقول الله عزّ وجلّ في سورة (الأعراف/ 7 مصحف/ 39 نزول) :
{يابنيءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} [الآية: 31] .
إنّ جُمَلَ {وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا} معطوفة على: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ} لما بينهما من التغاير الذي يجعلها متوسطة بين الكمالين، مع التلاؤم الفكري بينها، والجمل كلُّها متفقة في كونها جملاً إنشائيةً واردة إمَّا بصيغة الأمر وإمّا بصيغة النهي، ومعناها جميعاً على الإِنشاء.
والأمثلة على هذا كثيرة من القرآن ومن السنَّة ومن أقوال البلغاء.
***