والباحث في علم الفقه قد يعطف أبواب المعاملات على أبواب العبادات، وقد يعطف فصلاً على فصل في الباب الواحد، وفرعاً على فرع في الفصل الواحد، وباستطاعته أن ينتزع مناسبةً عامّةً كافيةً للعطف، وكلّما كانت هذه المناسبة ألْصَق بالْمَقْسِمِ القريب للقسم الذي يذكره كان العطف مقبولاً غير مستهجن، وقد تكون مُنْتزعَةٌ من الْمَقْسِم البعيد بحسب اقتضاءات المعاني.
والْقَصَّاصُ قد يعطف قصّةً على قصة، إذْ باستطاعته أن ينتزع مناسبة عامّةً كافيةً للعطف، كأن يكون حديثه حول قصص الأنبياء وأقوامهم، أو قصص المتقين، أو قصص المجاهدين، أو يكون حديثه حول قصص اللّصوص، أو قصص الْقَتَلة، أو قصص غرائب السلوك عند الحيوانات، إلى غير ذلك.
(2) ويخرج عن دائرة هذا التقسيم إيضاً استخدام "الواو" للدلالة على استئناف كلامٍ جديد، غير مرتبط بالكلام السابق، وتكون عندئذٍ بمعنى: التوقف عن متابعة ما يتعلّق بما سبق من موضوعٍ واستئناف الكلام في موضوعٍ آخر.
ومن أمثلة "واو" الاستئناف قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الحج/ 22 مصحف/ 103 نزول) :
{ياأيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَآءُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ... } [الآية: 5] .
فجملة: {وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَآءُ} جملةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، مُصَدَّرَة بواو الاستئناف، وليست هذه الواو عاطفةً على ما ذكر النحويون إذْ لو كانت عاطفة على {لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ} لكان ينبغي أن يكون فعل {وَنُقِرُّ} منصوباً. ولنا أن نقول: إنّ جملةَ {وَنُقِرُّ فِي الأرحام ... } معطفة على جملة {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} ولواحقها.
ومن الأمثلة التي ذكرها النحويون قول أبي اللّحَّام التغلبي: