أو صاغَ على قية جواهره منثورة، وربّما تَنْقُصُ قيمَتُها في نظر ذوّاقي الجمال.

كُنْتُ أجلس أحياناً إلى من كان يُسَمَّى "مَلِكَ اللُّؤْلؤ" الشيخ "محمد علي زينل علي رضا" - تغمّده الله برحمته وضاعف حسناته - في دارة عمله التجاريّ في مدينة "بومبي" إحدى كُبْرى مُدُنِ الهند، إذْ أقمت عنده أربعة أشهر وعشراً سنة (1372 هجرية) فأشاهِدُهُ يجمع أكوام حبّاتِ اللُّؤْلُؤ، ويختار منها بإتقان وإحكامٍ وتلاؤم، وينظم نفيسات عقود اللُّؤلؤ.

وأخبرني يومئذٍ وأنا أتابع اختياراته ونَظْمَهُ لعقود: أنّ العقد الذي يَنْظِمُه هو يُبَاعُ بقيمةِ عِقْدَيْن أو ثلاثةِ عُقُود، من العقود التي ينظمها من لا خبرة له، وليس لديه حِسٌّ مرهف يُدْرِكُ به التلاؤم بين الحبات التي ينظمها، سواء تجاورت أو تباعدت، مع أنّ وزن حبات عِقْدِه يساوي وزن حبات العقد الآخر، وقيمتها منثورةً تساوي قيمة الأخرى منثورة، والفرقُ بيْنَهما إتقانُ الانتقاء، ودقّة التلاؤم والتناسُقِ الجمالي فيما أنْظم، وانْعِدام ذلك فيما ينظم الآخرون.

أقول: ولدَى التحليل نلاحظ أنّ التلاؤم في حَبَّاتِ العقود، وجواهر الْحِلْيَاتِ يكون في الأَلوانِ، والطُّيوف، وبَريقِ الأشعة، والحجوم، والتدرّج، وحُسْنِ التآخي والمزاوجة، ونِسَبِ الأبعاد، وبدائِع التشكيلات ضمن أشكالٍ هندسيّة، أو أشكال مُتَناثِرَة العناصر ذاتِ جمالٍ يأسِرُ المشاعر، ونحو ذلك.

وأقول أيضاً: كذلك الكلمات والجمل حين تُجْمَعُ في نظام كلاميٍّ من النثر، أو من الشعر.

والتلاؤم الجماليُّ في الكلام تتدخّل فيه عوامل مختلفة فكريّةٌ ولفظية.

* أمّا العوامل اللفظيّة فقد سبق بيانُها في بحث الفصاحة، وأنّ شروط الكلمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015