المثال الخامس:

قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الدخان/ 44 مصحف/ 64 نزول) :

{حم* والكتاب المبين * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} [الآيات: 1 - 6] .

كما جاء في المثالين السابقين الثالث والرابع بدأت السورة بحديث المتكلّم العظيم عن نفسه، وبعد ذلك حصل الالتفات من التكلُّم إلى الغيبة، فقال تعالى: {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} وكان الأسلوب النّمطِيُّ يستدعي أن يكون النّص: {رَحْمَةً منّا} .

والفائدة الخاصة في هذا الإِلتفات التنبيه على أنَّ كلّ أمرٍ حكيم يُفْرق بأمْر الله هو رحمةٌ من أَثَر صفةِ رُبوبيَّةِ الرَّبّ عزَّ وجلَّ.

المثال السادس:

قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الروم/ 30 مصحف/ 84 نزول) :

{وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولائك هُمُ المضعفون} [الآية: 39] .

إنّ أسلوب عبارة {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله} هو من المواجهة بالخطاب، ويلائمه بحسب الظاهر أن يقال: {فَأنْتُمُ المضعفون} .

إلاَّ أنَّ الكَلاِمَ جَاءَ على خلال مقتضى الظَّاهِرِ هَذَا، إذْ حصل الالتفاتُ من الخطاب إلى الغيبة، فقال تعالى: {فأولائك هُمُ المضعفون} .

والغرض البلاغيّ الخاصّ في النَّصّ التنبيه باسم الإِشارة الذي هو في قُوّةِ ضَمِيرِ الغائب على ارتفاع منزلتهم عند الله، إذْ أُشِيرَ إليهم باسم الإِشارة الخاصّ بالمشار إليه البعيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015