ولكن لا يصحّ أنْ يكون كلّ الكلام جارياً وفق الأسلوب غير المباشر، فالأصل في الكلام هو الأسلوب المباشر، وهو بمثابة الخبز الذي تؤكل معه ألوان الأطعمة، إنّ الأسلوب غير المباشر ينبغي أنْ لا يزيد في الكلام كثيراً حتى لا يفقد الكلام قواعده وأركانه الأساسيّة.
إنَّ الأسلوب غير المباشر ينبغي أن يكون في غضون الكلام الجاري على الأسلوب المباشر، وبمقدار الأغراض البلاغيّة، وبمقدار الحِلْيات التي تتزيَّن بها الحِسان عادة.
وينبغي أيضاً أن يكون الكلام متنوعاً، لا ملازماً لوناً واحداً من ألوان الأساليب غير المباشرة.
إنَّ أبدع الكلام وأحلاه ما كان متنوعاً كثير الألوان، غير مقتصر على نَمَطٍ واحد. ومع ذلك فليس هذا في كل مائدة كلاميّة. إنّه قد تجمل في بعض الأحيان وفي بعض المناسبات مائدة كلاميّة من لون واحد من الكلام فقط.
إنَّ طبائع النفوس عجيبة، وينبغي أنْ يكون ميزان الأديب تُجَاهها شديد الحساسية، يتتبعها بالمؤثّرات الآنية عليها.
ويُعرف الأسلوب غير المباشر عند علماء البلاغة باسم (الكناية) ويدخل فيه ما يعرف عند علماء أصول الفقه باسم (المفهوم) أو باسم (الفحوى) فيقولون: "منطوق اللّفظ ومفهومه" سواء أكان المفهوم موافقاً أم مخالفاً. ويقولون: "فحوى الكلام" وهو عندهم كالمفهوم المقابل للمنطوق.
والمعنى المدلول عليه بهذا الأسلوب غير المباشر:
(أ) إمّا أنْ يكون معنى قريب التناول لا يحتاج إلى متابعة لوازم عقليّة متعدِّدة مثل قولنا للدّلالة على طول إنسان: "لا يدخل الأبواب إلاَّ وهو يخفض رأسه أو يتقاصر بجسمه".