هي مرتبة الكلام المبسوط، والكلام المبسوط هو ما لو حذف منه شىءٌ بالنسبة إلى حال المخاطب به لفهم المراد فهماً تامّاً، دون كدٍّ ذهني، ولا تأمّل طويل، ولَمَا حدث لديه أيّ ارتباك فكريّ أو غموض، ولَمَا نقص لديه من الفهم شىءٌ.
والكلام المبسوط له حدود دنيا، يمثّلها ما زاد على نسبة التوسّط ولو قليلاً، ثم تزداد درجات البسط كلّما زاد بسط الكلام، ولا حدّ لأكثرها، وباستطاعة الثّرثار أنْ يَمُدَّ كلاماً تكفي صفحة واحدة لفهم المراد منه فهماً كاملاً تامّاً، دون إِرباك ولا كدّ للذهن ولا تأمّل طويل، فيؤلّفَ كتاباً من مئات الصفحات ثم لا يخرج قارئها بأكثر ممّا فهمه قارىء الصفحة الواحدة، ونلاحظ أمثلة كثيرة لهذه الثرثرات في كُتب الشيوعيّين، وكُتب الَّذين نَسَجُوا على منوالهم، والغرض من الثرثرة تغطية عيوب المضامين الفكريّة، والإِيهام والتعمية على الغوغائيين من المراهقين والمراهقات في أعمارهم أو في أفكارهم، ولا سيّما إذا اقترنت هذه الثرثرات بعبارات غامضات ومصطلحات تُوهِمُ أنّ وراءها فلسفة وعلماً عظيماً.
وعنوان هذه المرتبة عند علماء البلاغة: (الإِطناب) . إذا كانت الزيادة في الألفاظ ذات فائدة، وإلاّ كانت الزيادة من قبيل الإسهاب والتطويل.
وقد يحسن استخدام ما يدخل في هذه المرتبة من الكلام في دروس التعليم، وفي مجالس الوعظ العامّة، وفي الخطب التي تُلقى على جماهير، وفي بعض مجالس المؤانسة والمحادثة، وفي إلقاء القصص أو كتابتها، ولكنْ يشترط في ذلك أنْ لا يصل المتكلّم بالمخاطبين أو بالقرّاء إلى مستوى السأم والْمَلَل، فبعد السأم والملل يكون الضجر، ثم النفور، وعندئذٍ يثمر الكلام عكس المقصود منه، ويشترط أيضاً أن ْ يكون بسط الكلام عن طريق الاستطرادات الخارجة عن أصل موضوع الكلام، ومعلوم أنْ الاستطرادات تجرّها أدنى مناسبة.