منشىء البيان الكلامي، ويَتَحرَّى فيما ينشىء من قول ما هو الأبلغ والأجمل دواماً، قدر استطاعته وتذوُّقِه لدقائق المعاني ومستويات الجمال.

***

المقدمة الخامسة:

ولدى إنشاء الكلام ومتابعة بناء بعضه على بعض، ورصْفِ بعضه إلى جانب بعض، يلاحظ كلُّ ذي فكرٍ متذوّقٍ لأساليب الكلام، أنّه تُوجَدُ طرائق وأساليب يقتضيها ظاهر النَّسّق، فالمتكلّم يتابعها بتلقائيّة، كتتابع الماء في مَجرىّ متماثل الأجزاء، ليس فها انحرافٌ ولا دورانٌ ولا الّتِوَاء، وليس فيها صَواعِد ولا نوازل.

ولكِنْ قد تدْعو دواعي بلاغيّة أو جمالية إلى مخالفة مقتضى الظاهر في الكلام، كما تدعو دواعي نفعيّة لعطف مجرى الماء عن نَسَقه المتماثل، أو تدعو دواعي جماليّة لإِيجاد دوائر ومنعطفات، وصواعد ونوازل في مجرى الماء، لإِحْدَاث مشاهد جماليّة بديعة لا تتحقّق بمتابعة النَّسَق المتماثل.

والباحثُ البلاغيُّ يُنَبِّهُ على طائفة من الأغراض البلاغيَّةِ أو الجماليّة الداعية إلى مخالفة مقتضى ظاهر النسق الكلامي، ليهتَديَ بهَدْيِها مُنْشِىءُ البيان، ويتحرَّى فيما ينشىء من قولٍ ما هو الأبلغ والأجمل دواماً قدر استطاعته، وتذوُّقِه لدقائق المعاني، ومستويات الجمال.

***

خاتمة:

هذه الأحوال التي تَقَدَّم الحديث عنها مجملاً في المقولات الخمس السابقات، تتطلّبُ دراسة تفصيليّة مُدَعَّمَةً بالأَمثلة والشواهد المقرونة بالتحليل، ليستفيد منها دارس علوم البلاغة وفنونِها في تحقيق أربع غايات، وهي ما يلي:

الغاية الأولى: حُسْنُ تَفَهُّم وتَدَبُّر النَّصوص البليغة الرفيعة من القرآن المجيد، وأقوال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلام أساطين البلغاء والشعراء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015