وموضعه الأصليّ في الجملة العربية بحسب ترتيب الكلام المعتاد يأتي بعد الفاعل، على الوجه التالي:
(1) ... .. (2) ... ... . (3)
فعل ... .. فاعل ... .. مفعول به
مثل: أكل ... الذئبُ ... الحَمَلَ
قال النحاة: ويجوز تقديم المفعول به على الفاعل، ويجوز تقديمه أيضاً على الفعل، إلاَّ عند اللَّبْس.
فيقال: أكَلَ الْحَمَلَ الذّئبُ.
ويقال: الْحَمَلَ أكَلَ الذئبُ.
ويقال: رفَعَ سعيدٌ طناً من الحديد.
يقال: طناً من الحديد رفع سعيد.
لكنْ البلاغيين قالوا: إنّ مخالفة الأصل في ترتيب بناء الجملة، واستخدامَ ما يجوز فيها بحسب استعمال العرب، هو في الغالب لغرض تأدية معنىً من المعاني، لا لمجرَّدِ استخدام احتمالات جائزة، باستثناء حالة الضرورة الشعريّة، أو حاجة توازن الجمل وتناسُقِها، ومراعاةِ السَّجْع أو القوافي، ضمن أغراضٍ جماليّةٍ في الكلام.
فتقديم المفعول به عن رتبته، ولا سيّما تقديمُهُ على الفعل الذي هو صَدْرُ الجملة الفعليّة بنبغي أن يكون لغرض، وهو الدّلالة على معنًى ما، كالتخصيص، أو الحصر، أو بالغ الاهتمام، أو نحو ذلك.
ورُتَبُ عناصر الجملة تشبه رُتَب جلساء رئيس القوم، فإذا قدَّم الرئيس إلى جواره من هو في العادة يجلس بعيداً عنه بحسب رتبته، فإنما يُقَدِّمه لغاية يفهمها الفطناء، فإذا وضعه في موضع وزيره الأول، أدرك أهل الفطانة أنّه مُهْتَمٌّ به وبتكريمه، أو أنّه سوف يستوزره.