الأَلم والصبر الفرجُ، وحين يأتي الفرجُ يكون قُرْبٌ دائم، ووصلٌ مستمرٌّ مصحوبٌ بسرور لا ينقطع، وقد أبعد في هذِه الكناية لكثرة لوازمها الذهنيّة التي لا تُدْرَكُ إلاَّ بإجْهادٍ ذهْنِيّ، على أنّ هذا المعنى حَسنٌ طرقَهُ الشعراء والأدباء وأهل الفكر، منه ما أجاب به الربيع بن خيثم، وقد صلَّى ليلةً حَتّى أصْبَح، إذْ قيل له، أتْعَبْتَ نفْسَكَ. فقال: راحَتَهَا أطْلُبُ. أي: أطلبُ راحَتَها الدائمة يوم الدين بإتْعَابِها في العبادة في الدنيا.
ونظيره في المعنى، قول أبي تَمّام:
أآلِفَةَ النّحِيبِ كَمِ افْتِرَاقٍ ... أَلَمَّ فَكَانَ داعِيَةَ اجْتِمَاعِ
وقولُ عُرْوَة بن الورد:
تَقُولُ سُلَيْمَى: لَوْ أَقَمْتَ بِأَرْضِنَا ... وَلَم تَدْرِ أَنِّي لِلْمُقَامِ أُطَوِّفِ
لكنّ العبّاس بن أحنف عبّر بعد ذلك بجمُود الْعَيْن كنايةً عن حالَةِ السُّرُور التي سَيَنالُها حينما يأتي الْفَرجُ بالوصْل بَعْد كثرة البكاء، في حين أنّ جُمَودَ العين يُعبَّرُ بِهِ كنايةً عن شُحِّهَا بالدُّموع عنْدَ حَاجةِ النفس إلى البكاء، ليكون في البكاء تخفيفٌ مِنْ آلاَم النفس بالفراق، أو مِنْ الحزن والكَمَد والتَّعَبِ والنّصب، فالشُّحُّ بالدمع يزيد في آلام النَّفس، ولَيْس من العلامات الدّالاّت على سرورهَا حتَّى يُكنَّى به عنه، ومن هُنا رَأَوْا أنّ في كلامِهِ تعقيداً معنويّاً.
(2) ويُمْكن أن نُمثِّل للتعقيد المعنويّ بأن نقول: فَتَح السلطانُ أَبْوابَ السُّجُون.
ونحن نقصد بهذه العبارة أنّه نَشَر جُنْدهُ لملاحقة خصومه حتى يُودِعهم في السجون، مع أنّ المتبادر المتعارف في مثل هذه العبارة، أن تُقالَ لتكونَ كنايةً عن أنّه أخرج المساجين منها بإصدار عفوٍ عامٍّ عنهم، فاعتبارُهَا كنايةً عن المعنى المضادّ لهذا المعنى تعقيدٌ معنوي.