يعني بالساقة الّذين لم يصِلُوا إلى أن يكونوا فُرْسانَ أدب في نَثْرٍ أو شِعْر، وأرى أنّه يَذُمُّ الجناس المتكلَّف المَمْجُوج.
وقال "الشيخ عبد القاهر الجرجاني" في كتابه "أسرار البلاغة": "أمّا التجنيس فإنَّكَ لا تَسْتَحْسِنُ تجانُسَ اللَّفظتَيْن إلاَّ إذا كان مَوْقعُ مَعْنَيَيْهما من العقل موقعاً حميداً، ولم يَكُنْ مَرْمَى الجامع بينهما مَرْمىً بعيداً، أَتُراك استَضْعَفْتَ تجنيس أبي تمام في قوله:
ذهَبَتْ بِمَذْهَبِهِ السَّمَاحَةُ فَالْتَوَتْ ... فِيهِ الظُّنُونُ: أَمَذْهَبٌ أَمْ مُذْهَبٌ
واستحسنْتَ قول القائل:
"حَتَّى نَجَا مِنْ خَوْفِهِ وَمَا نَجا"
وقولَ المُحْدَث:
نَاظِرَاهُ فِيمَا جَنَى نَاظِرَاهُ ... أَوْ دَعَانِي أَمُتْ بِمَا أَوْدعَاني
لأمْرٍ يرجع إلى اللّفظ؟ أمْ لأنَّكَ رَأيْتَ الفائدة ضَعُفَتْ عنْدَ الأوّل، وقويتْ في الثاني؟ ورأيْتُك لم يَزِدْك بمَذْهَبٍ ومُذْهَبٍ على أن أسْمَعَك حُروفاً مكرَّرة، تروم لها فائدةً فلا تَجدُها إلاَّ مجهولة مُنْكرة، ورأيْتَ الآخَرَ قَدْ أعاد عَلَيْكَ اللّفظة، كأنَّهُ يخدَعُك عن الفائدة وقد أعطاها، ويُوهِمُك كأنَّهُ لم يَزِدْكَ وَقَدْ أحْسَنَ الزيادة ووفّاها، فبهذه السّريرة صار التجنيس - وخصوصاً المستوفى منه المتّفِقَ في الصورة - من حَلْي الشعر، ومذكوراً في أقسام البديع.