وأما علم البديع فإن أول من ألف فيه هو عبد الله بن المعتز، المتوفي سنة 296 هـ، فقد رأى الشعراء من قبله يهتمون في أشعارهم بالبديع، كبشار بن برد، ومسلم بن الوليد، وأبي تمام وغيرهم، فجمع من أنواعه سبعة عشر نوعاً، وزاد معاصره قدامة بن جعفر المتوفي سنة 337 هـ عشرين نوعاً اتفق معه في سبعة منها، فكان جملة ما زاده ثلاثة عشر، فكمل ما جمعه ثلاثين نوعاً، ثم أوصلها أبو هلال العسكري في كتابه "الصناعتين" إلى خمسة وثلاثين، وجمع ابن رشيق المتوفي سنة 463 هـ في كتابه "العمدة" مثلها.
ولما جاء أبو يعقوب السكاكي المتوفي سنة 626 هـ نظم علوم البلاغة في القسم الثالث من كتابه "مفتاح العلوم" وفصل أبوابها، ورتب مسائلها، وكل من جاء بعده من البلاغيين قد اعتمدوا على ما قاله السكاكي في كتابه هذا.
إن أعظم فائدة تعود على المرء من دراسة علوم البلاغة والإحاطة بها هي معرفة أسرار اللغة العربية، والإحاطة بخصائص أسلوبها، للإطلاع على أسرار إعجاز القرآن الكريم والاستعانة بها على فهم معانيه، ومعرفة أغراضه ومقاصده.
كما أن دراسة هذه العلوم، تطلعنا على أهم جانب من جوانب النقد في اللغة العربية شعرها ونثرها، وهو الجانب البلاغي الذي يهتم بمعرفة أسرار التراكيب وتصوير المعاني والأفكار، وعرض الأساليب في ألوان جمالية بديعة.