ومنه قول الله تعالى: {َمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] وذلك لأن السكون لا يقابل ابتغاء الفضل، وإنما يقابل الحركة اللازمة لابتغاء الفضل، وقد عدل عن لفظ الحركة لأن الحركة نوعان: حركة لمصلحة، وحركة لمفسدة، وقد قصدت الحركة الأولى ولم تقصد الثانية. ومن فاسد هذا النوع قول أبي الطيب:

لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها ... سرور محب أو إساءة مجرم؟

وذلك لأن ضد المحب: هو المبغض؛ ولكن المجرم قد لا يكون مبغضًا.

وثانيهما: ما يسمى: إبهام التضاد، وهو أن يجمع بين معنيين غير متقابلين ولكن عبر عنهما بلفظين متقابلين في معنييهما الحقيقيين، وذلك كقول دعبل الخزاعي:

لا تعجبي- يا سلم- من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى!

استعار الضحك للمشيب برأسه استعارة تبعية؛ لظهوره التام برأسه؛ لأن كلا منهما يشبه الآخر في اللون، وقد طابق بين (ضحك) و (بكى) والضحك- في البيت- لا يضاد البكاء؛ لأن الضحك في البيت معناه: ظهور الشيب، ولكن المعنيين الحقيقيين متضادان.

وقول أبي تمام في الشيب:

له منظر في العين أبيض ناصع ... ولكنه في القلب أسود أسفع

الأبيض الناصع هو: الشديد البياض؛ والأسود الأسفع هو: الأسود إلى حمرة. وقد استعار (الأسود الأسفع) لما يحدثه منظره في نفسه من الهم والحزن فمعناه الحقيقي هو الذي يقابل ما قبله لا المجازي. وقوله- أيضًا-:

وتنظري خبب الركاب ينصها ... محيي القريض إلى مميت المال

فمحيي القريض: كناية عن نفسه، ومميت المال كناية عن الممدوح.

والشاهد في البيت هو أن المراد من (المحيي) والمراد من (المميت) في البيت غير متضادين ولكن معنييهما الحقيقيين متضادان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015