ويشترط في قبول العطف بالواو ها ما شرط في الموضع السابق من وجود التناسب بين الجملتين، ولهذا عيب على أبي تمام قوله يمدح الحسن بن الهيثم:
لا، والذي هو عالمٌ أن النوى ... صبر وأن أبا الحين كريم
إذ لا رابطة بين كرم أبي الحسين، ومرارة النوى، ولا تعلق لأحدهما بالآخر.
مما يريد من حسن الوصل: توافق الجملتين في الاسمية والفعلية وفي المعنى والمضارعة، وفي الإطلاق والتقييد، ولا يحسن العدول عن ذلك إلا لغرض:
كأن يقصد التجدد في إحداهما والثبوت في الأخرى، وذلك مثل قولك: (يقوم خالد وعمرو قاعد)، إذا أردت أن قيام خالد يتجدد، وقعود عمرو ثابت مستمر.
وكأن يراد: حكاية الحال الماضية، واستحضار الصورة الغريبة في الذهن، كما في قوله تعالى: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]، فقد عبر بالمضارع في الجملة الثانية -وإن كان القتل في الماضي كالتكذيب- لأن أمر القتل فظيع، فأريد استحضاره في النفوس وتصويره في القلوب.
وكأن يراد الإطلاق في إحداهما والتقييد في الأخرى، كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ} [الأنعام: 8]، فالجملة الأولى: وهي: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ} [الأنعام: 8]، فالجملة الأولى: وهي: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} مطلقة، والجملة الثانية مقيدة؛ لأن الشرط مقيد للجواب فقضاء الأمر: أي قضاؤه بهلاكهم، وعدم إيمانهم مقيد بإنزال الملك.
* * * *