يجب الوصل في ثلاثة مواضع:
(1) أن يكون بين الجملتين كمال الانقطاع مع الإبهام، وذلك بأن تكون إحداهما خبرية والأخرى إنشائية، لكن لو فصل بينهما لأوهم الفصل خلاف المقصود، نحو: (لا، وبارك الله فيك) تجيب بذلك على من قال: هل لك حاجة أساعدك في قضائها؟ (فلا) في هذا الموضع قائمة مقام جملة خبرية، إذ التقدير: (لا حاجة لي) وجملة: (بارك الله فيك) جملة إنشائية معنى خبرية لفظًا، والعبرة بالمعنى، ولو فصلت بين الجملتين فقلت: (لا بارك الله فيك) لتوهم السامع أنك تدعو عليه على حين أنك تقصد الدعاء له، ولهذا وجب الوصل وعدل عن الفصل.
وفيه ما روى أن أبا بكر -رضي الله عنه- مر برجل في يده ثوب، فقال له: أتبيع الثوب؟ فقال الرجل: (لا، يرحمك الله) فقال له أبو بكر: لا تقل هذا، وقل: (لا، ويرحمك الله).
(2) أن تكون الجملتان متفقتين خبرًا أو إنشاء، لفظًا ومعنى فقط، وكان بينهما تام في المعنى، وليس هناك سبب يقتضي الفصل بينهما.
فمثال الخبريتين لفظً ومعنىً، قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14].
ومثال الإنشائيتين لفظًا ومعنى قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [الشورى: 15] وقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36].
ومثال المتفقتين خبرًا معني فقط قوله تعالى: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [هود: 54] أي: إني أشهد الله، وأشهدكم، فتكون الجملة الأولى وهي: {أُشْهِدُ اللَّهَ} خبرية لفظًا ومعنى، والجملة الثانية: {وَاشْهَدُوا} خبرية معنى، إنشائية لفظًا.