يجب الفصل في خمسة مواضع:
(1) أن يكون بين الجملتين: (كمال الاتصال)، وذلك بأن تكون الجملة الثانية توكيدًا للأولى وذلك كقول المتنبي:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي ... إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدًا
فالجملة الثانية- وهي: (إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدًا) توكيد للجملة الأولى، وهي: (وما الدهر إلا من رواة قصائدي)، فمعنى الجملتين واحد.
ومنه قول الله تعالى: {مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31]، فجملة: {إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} توكيد لجملة: {مَا هَذَا بَشَراً}، لأن إثبات كونه ملكًا توكيد لنفي كونه بشرًا.
أو بأن تكون الجملة الثانية بيانًا للأولى، نحو قول أبي العلاء:
الناس للناس من بدو وحاضرةٍ ... بعضٌ لبعض -وإن لم يشعروا- خدم
فالجملة الثانية، وهي: (بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم) جاءت لتوضح الجملة الأولى، وهي: (الناس للناس من بدو وحاضرة) فهي بيان لها.
ومنه قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه: 120] فالجملة الثانية، وهي: {قَالَ يَا آدَمُ} بيان للجملة الأولى، وهي: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ}.
أو بأن تكون الجملة الثانية بدلاً من الجملة الأولى، نحو قوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الأنعام: 132 - 134] فجملة: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ} يدل بعض من جملة: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} إذ الأنعام والبنون بعض ما يعلمون، ومنه قول الشاعر:
أقول له: ارحل، لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلمًا
فقوله: (لا تقيمن عندنا) بدل اشتمال من قوله: (ارحل).