موضوع علوم البلاغة والفرق بينها وما تحدثه هذه العلوم من أثر في النفس:
من خلال ما سبق تلاحظ أن كلمة أهل العلم مُجمِعة على أنه لا سبيل لفهم وتدبر كلام الله، والتعرف على أسراره البيانية إلا بتعاطي علوم البلاغة، وبخاصة من عبارة الألوسي الأخيرة أن علم البديع لا يقل أهمية عن أخويه المعاني والبيان؛ لكونه العلم الذي به يُعرف وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة، ووضوح الدلالة، فهو فضلًا عن اعتنائه في الأساس بمحسنات الكلام، فإنه يشتمل أيضًا على المعاني والبيان؛ لأن رعاية المطابقة هذا أمر يختص به علم المعاني، ووضوح الدلالة هذا أمر يختص به علم البيان، ولا بد من اجتماعهما في ألوان ومحسنات البديع.
علم المعاني يعني بالأساس بجانب المطابقة، يعني: مطابقة الكلام لمقتضى الحال، ويُعرف لدى عبد القاهر بالنظم، ولدى متأخري البلاغيين بالاعتبار المناسب، أو خصائص التراكيب، أو المعاني الثانوية، كل هذه مترادفات لمطابقة الكلام لمقتضى الحال، المعاني الثانوية تكمن وراء المعاني الوضعية للجملة العربية، هذا ما يتعلق به علم المعاني.
أما علم البيان: فهو يُعنى باستقصاء الطرق التي ترد عليها هذه التراكيب من تشبيه، واستعارة، وتعريض، وكناية.
إذن فمهمة البلاغة البحث عن المعاني الثانوية في الجمل الوضعية، أو اللغوية، وعن معنى المعنى في الجمل الفنية أقصد مشتملة على ألوان البيان من مجاز، وكناية، فخذ مثلًا قول الله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} (طه: 17) تجد أن الله -سبحانه وتعالى- حينما سأل موسى -عليه السلام- عما بيمينه وكانت عصا {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} (طه: 18).