تعددًا حسيًّا، هناك وجه الشبه يمكن أن يأتي ويكون متعدد عقلي، كتشبيه الأنصار بالمهاجرين في قوة إيمانهم بالله، وفي محبتهم للرسول -صلى الله عليه وسلم، وفي التفاني في نصرة الحق إلى غير ذلك، فهنا نجد أن وجه الشبه قد تعدد تعددًا عقليًّا. إن كل هذه الأمور لا تدرك بالحواس المحبة والإيمان والتفاني كل هذه أمور عقلية، لا تدرك بأي من الحواس.
الصورة الأخيرة في وجه الشبه: أن يكون متعددًا مختلفًا أن نشبه الرجل بالشمس في إشراق الوجه، وفي نباهة الشأن فإشراق الوجه هذا أمر حسي يرى، لكن نباهة الشأن هذا أمر عقلي لا يذكر، ولا يرى بأي من الحواس الخمسة.
لكن هنا يأتي سؤال التشبيه التمثيلي من أي هذه الأنواع؟
أولًا: يجب أن نعرف أن التشبيه التمثيلي، وهو متعلق بوجه الشبه قد اختلف في أمره على آراء متعددة، فعندنا رأي للإمام عبد القاهر، عندنا رأي للإمام السكاكي، وعندنا رأي للخطيب القزويني، وعندنا رأي أخير للزمخشري.
فالإمام عبد القاهر يرى أن التشبيه التمثيلي ما لا يكون الوجه فيه أمرًا بينًا بنفسه؛ بل يحتاج في تحصيله إلى ضرب من التأول والصرف عن الظاهر؛ لأن المشبه لم يشارك المشبه به في صفته الحقيقية، يتحقق ذلك فيما إذا كان وجه الشبه عقليًّا غير حقيقي.
كأن وجه الشبه العقلي غير الحقيقي، هذا هو الذي يمثل التمثيل، أو التشبيه التمثيلي عند الإمام عبد القاهر، فإذا كان وجه الشبه عقليًّا غير حقيقي أي: غير متقرر في ذات الموصوف يكون تشبيهًا تمثيليًّا، مثال ذلك مثلًا قولنا: هذه حجة كالشمس في الظهور، قد شبهت الحجة في قوة بيانها بالشمس من جهة ظهورها، هذه ظاهرة، وهذه ظاهرة، لكن هذا التشبيه لا يتم إلا بتأول، وذلك بأن نقول حقيقة ظهور الشمس أو غيرها من الأجسام ألا يكون دونها حجاب، ونحو مما يحول بين العين وبين رؤيتها، والشبهة التي تزال بالحجة والبرهان هي نظير الحجاب فيما يدرك بالعقول؛ لأنها تمنع القلب رؤية ما هي شبهة فيه، فإذا ارتفعت الشبهة قيل: هذا ظاهر كالشمس، فقد احتجنا في تحصيل الشبه بين الحجة وبين الشمس، وهو إزالة الحجاب في كل إلى مثل هذا التأويل، والصرف عن الظاهر مثاله أيضًا عند الإمام عبد القاهر.
قولنا: "كلام ألفاظه كالماء في السلاسة، وكالنسيم في الرقة، وكالعسل في الحلاوة": فالمراد أن اللفظ لا يستغلق، ولا يشتبه معناه، ولا يصعب الوقوف عليه، فليس بغريب، ولا وحشي، وليس في حروفه تكرير وتنافر يكد اللسان، فصار لذلك كالماء الذي يسوغ في الحلق، والنسيم الذي يسري في البدن، ويهدي إلى القلب روحًا ونشاطًا، وكالعسل أيضًا الذي يلذ طعمه، وتهش النفس له، ويميل الطبع إليه؛ فوجه الشبه إذن هو الاستحسان، وميل النفس الذي هو لازم من لوازم الحلاوة؛ إذن فنستطيع أن نقول: إن الإمام عبد القاهر سمى هذا اللون الذي يكون وجه الشبه فيه عقليًّا غير حقيقي غير مقرر في ذات الموصوف أسماه بالتشبيه التمثيلي. إذن خرج من ذلك كل ما كان عدا هذا.
فالتشبيه مثلًا ما كان وجه الشبه فيه بينًا لا يحتاج إلى تأويل، عند هذا لا يدخل في التشبيه التمثيلي عند الإمام عبد القاهر التشبيه مثلًا من جهة اللون، أو من جهة الهيئة، أو كمثل التشبيه بأن يجمع فيما يجمع بين شيئين فيما يدخل تحت الحواس، كل هذا يدخل في التشبيه الحسي، ومن ثَمَّ لا يدخل في التشبيه العقلي.
إذن باختصار فالتشبيه التمثيلي عند الإمام عبد القاهر هو ما كان وجه الشبه فيه عقليًّا غير حقيقي، يخرج من هذا كل ما كان حسيًّا، وكل ما كان عقليًّا، لكن يتعلق بالغرائز، والطباع، والأخلاق. فكل هذه تدخل في التشبيه غير التمثيلي.