فيها، ولم يفهموا حقيقة مرماها، شبه هؤلاء بحال الحمار يحمل كتب العلم النافعة، ويتعب في حملها، وهو جاهل بحقيقة ما فيها، وجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من حرمان الانتفاع بأبلغ نافع، مع تحمل التعب في استصحابه، حبذا لو نحفظ مثل هذه الصيغ في المشبه والمشبه به ووجه الشبه؛ لأن لو قلنا مثلًا: أن الآية شبهت اليهود بالحمار نقول: إن هذا تشبيه خاطئ، لو قلنا: إن وجه الشبه مثلًا هو البلادة، هذا تشبيه خاطئ، أو حرمان الانتفاع هذا تشبيه خاطئ؛ إذن فلا بد من مراعاة كل جزء جاء في سورة المشبه، أو في صورة المشبه به، حتى ننتزع من كليهما وجه الشبه الذي يُمثل المعنى المشترك بين المشبه والمشبه به، وهو -كما قلنا في الآية- الهيئة الحاصلة من حرمان الانتفاع بأبلغ نافع، مع تحمل التعب في استصحابه.
وهو كما نرى مركب عقلي انتزع من عدة أمور، روعيت في الطرفين؛ حيث روعي حمل أشياء، وهذه الأشياء يُنتفع بها أكمل نفع، والحامل لها يتحمل التعب والمشقة في استصحابها، ولا يجني من وراء تعبه فائدة، كل هذه أمور رُوعيت في تحقيق وجه الشبه من وجه الشبه المركب العقلي.
قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} (النور: 39) فهنا نجد الآية شبهت حال الكفرة في جمعهم بين الكفر وأعمال البر التي يعملونها في الدنيا، ويحسبونها نافعة ومقبولة عند الله، ثم يرونها خاسرة محبطة يوم القيامة؛ لأنها لم تقترن بالإيمان الذي هو شرط قبولها، ولهذا صورة المشبه لو أي جزء من هذه الأجزاء سقط؛ إذن فقد اختلَّت صورة التشبيه، شبه هذه الصورة بماذا؟ بحال الظمآن يرى السراب من بعيد، فيحسبه ماء، فيروي ظمأه، فإذا بلغه لم يجده شيئًا، كل هذه صورة المشبه به.
أي جزء؛ اختلَّ أو سقط. إذن لا يمثل حقيقة التشبيه في الآية الكريمة،