بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث
(التشبيه (2))
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
التشبيه باعتبار وجه الشبه الذي يمثل الركن الثالث من أركان التشبيه الأربعة المتلفظ بها، وذلك بعد أن تحدثنا فيما سبق عن الركنين الأولين المشبه والمشبه به، والأحوال والصور التي يأتي عليها كل منهما، ووجه الشبه هو المعنى الذي يشترك فيه طرفا تشبيه تحقيقًا أو تخييلًا.
تحقيقًا يعني: على جهة التحقيق، وتخييلًا أي: على جهة التخييل، نضرب بعض الأمثلة لما جاء على جهة التحقيق، كأن شبه مثلًا الشعر بالليل، ويشبه الرجل الشجاع بالأسد، ويشبه مثلًا الخد بالورد، إلى غير ذلك، وإنما يقع الفرق من جهة الزيادة والنقصان، والقوة والضعف، فغالبًا ما يكون وجه الشبه في المشبه به أبرز وأعرف، وأقوى منه في المشبه، وقد يتساويا في اتصافهما به، وقد يكون الوجه أقوى وأكمل في المشبه، وأبرز وأشهر في المشبه به، وهنا تروى قصة طريفة ملخصها أن أبا تمام راح يمدح أحمد بن المعتصم فقال في حقه:
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنث في ذكاء إياس
فالمقام هنا يقتضي أن يكون اتصاف الأمير أحمد بوجه الشبه أقوى وأتم من اتصاف هؤلاء المذكورين به، ولذا لما أخذ على أبي تمام أن الأمير أكبر من أن يشبه في ذلك بهؤلاء أنشد مرتجلًا:
لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلًا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلًا من المشكاة والنبراس
فشبه حاله في هذا بحال الآية الكريمة التي قال الله فيها: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} (النور: 35)، فالله شبه الأقل بنوره من المشكاة والنبراس، والأصل أن يكون نور الله أقوى من كل هذا.