أما التام المماثل الحرفي فلا يكاد يوجد، وكان من السهل صرف الفكر عنه، وإنما ذكرناه لتكون على بينة منه وجودًا أو عدمًا. وقد مثل مجيزوه بقولهم: قد يجود الكريم وقد يبخل الجواد، وقالوا: الجناس بين "قد" و"قد" الأولى مفيدة للتكثير، والثانية مفيدة للتقليل، فهما مختلفا المعنى مع اتحاد اللفظ، كما مثلوا له بقولهم: ما منهم من قائم، منهم الأولى بيانية والثانية زائدة، وإذا كان هذا منهجهم في التمثيل للجناس الحرفي فأحرَى أن يمثَّل له بقول الشاعر:
قهرناكم حتى الكماة فأنتم ... تهابوننا حتى بنين الأصاغر
فإن "حتى" و"حتى" مع اتحاد لفظيهما مختلفان في المعنى حيث مدخولهما، فالأولى تفيد التعظيم، والثانية تفيد التحقير. وهذا شاهد مأثور، فهو أولى من المصنوع. النوع الثاني من الجناس التام: المستوفى، وضابط هذا النوع هو أن يكون طرفاه مختلفين: اسم وفعل، أو اسم وحرف، أو فعل وحرف، وهذا النوع أكثر ورودًا من الجناس التام المماثل؛ لتسامحهم في بعض القيود التي اعتبروها في المماثِل، ولذلك كثرت أمثلته في كلام الأدباء، ومنه قول المعري:
لو زارنا طيف ذات الخال أحيانًا ... .....................
الخال: هي النكتة أو الندبة التي تكون في خد الحسناء.
لو زارنا طيف ذات الخال أحيانا ... ونحن في حُفر الأحداث أحيانا
فالجناس بين "أحيانا" و"أحيانا" الأولى اسم وهي جمع حين، والثانية فعل، والمعنى: لو أن المحبوب زارنا ونحن أموات لبعث فينا الروحَ من جديد بزيارته. ومثله:
وسميته يحيى ليحيا فلم يكن ... إلى رد أمر الله فيه سبيل